قد تبدو بعض التساؤلات في هذه المقالة صادمة للبعض خاصة من أنفقوا أعمارهم في التأكيد على بعض المضامين التي أتعرض لها بالتحليل والنقاش
وأقول لهم في النهاية أنه ليست بيني وبين أي فكرة علاقة ولاء ، أو تعلق قلبي ، لذلك تقبلوها كتساؤلات واعلموا أن أي رد معقول عليها سيلقى مني تأملا من مفكر حر لا قيود على فكره ، ولامانع من التراجع عنها مع ملاحظة أن فشل العقل النظير في الرد عليها معناه تأكيده لها فإلى بعض هذه النقاط
التواتر ليس دليلا علميا
(لأنه لا يمكن أن تصح العبارة (بالضرورة
" مارواه جمع كثير عن جمع كثير من مبدء السند إلى منتهاه بحيث يستحيل تواطؤهم على الكذب"
فمن قال أنه يستحيل تواطؤهم على الكذب
ومن يضمن أن الجمع الكثير لم يكونوا هم مصادر بعضهم مكونين رأيا عاماً في مرحلة ما وأدت الظروف إلى استمراره لأسباب يمكن تفصيلها والتنبؤ بها اجتماعيا
هل يعتبر تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للنصوص عمليا إلزاما بأن هذه الطريقة هي التطبيق الوحيد للنص القرآني
فماذا عن عمر بن الخطاب الذي غير في كيفيات تطبيق بعض الحكام بناء على المقاصد والغايات والحكم الكبرى
تضارب أقوال الأئمة في بعض الرواة جرحا أو تعديلا
ألا يوضح أن المسألة ذاتية أكثر منها موضوعية
وجود آيات كثيرة في القرآن تتحدث عن المنافقين والنفاق سورة المنافقين ، التوبة ، البقرة ، وغيرها ، وشهادة كبار الصحابة بوجودهم وأنهم كثير بل لدرجة أنهم فريق وحلف يبنون مسجدا للضرار ، وطائفة ذات عدد يطلق عليهم المعذرون يعتذرون عن الغزوات ، وعملاء يرجفون في المدينة ، ومنهم من في قلبه مرض، ويقذفون عرض النبي ، ويتحالفون مع قوى الكفر بل يقول الله " وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لاتعلمهم نحن نعلمهم"
الطلقاء الذين أسلموا خوفا من السيف عام الفتح ، والذين ارتدوا منهم بعد ، ناهيك عن الروايات التاريخية التي تبين أن الصحابة السابقين كانوا لا يعدونهم شيئا ، وأنهم كما ورد في القرآن يتربصون بكم الدوائر.
كل هذه النصوص والآثار ألا تجعلنا نعيد النظر في تعريف الصحابي الذي يعتمده المحدثون وهو أنه من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا ومات على الإسلام.
أما كونه لقيه مؤمنا فلايمكن التحقق منها بحال لأن هناك منافقون يقول عنهم الله لاتعلمهم نحن نعلمهم
وأما مات على الإسلام فهي أيضا لايمكن التحقق منها لأن النبي أخبر في نصوص عديدة أن ممن يقتلون ويشهد لهم بالجنة يكونون غير ذلك وإنما يصدرون مصادر شتى
خاصة مع عدم وجود أي دليل شرعي يثبت هذا التعريف الذي وضعه المحدثون
أيتوني بدليل.
ألا يصح ان نعتبر الآية التي تقول والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، رضي الله عنهم ورضوا عنه
ألا تعتبر محددا مقبولا وقطعيا للصحابي الذي يؤخذ عنه الدين ،
أن يكون من السابقين الأولين من المهاجرين أو من الأنصار
أو أن يكون من الذين اتبعوهم بإحسان
بمعنى أنه لو خالف السابق بالإسلام من أسلم متأخرا بالعمل أو الفقه أو حاربه أو لعنه فإنه يسقط عنه الصحبة ويصنف ضمن أحد الفئات إما المنافقين ، أو المرتدين ، أو المرجفين ومن في قلوبهم مرض. الذين قال الله عنهم ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا.
ثم كيف يدخل المحدثون قاعدة أنه لا تضر جهالة الصحابي
فلو قلنا أن الصحابة كلهم عدول ، وأن كل من رأى النبي ومات على الإسلام بمن فيهم ذلك الذي مج النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وهو يتوضأ عندما كان طفلا .
فكيف تعطى هذه العدالة والثقة للتابعي بحيث يمكنه أن يقول حدثني رجل من أصحاب رسول الله .
أليس من الممكن أن يكون حدثه لا أحد من أصحاب رسول الله .
ألسنا نرفعه بذلك لمرحلة ومستوى الصحابي، أليست هذه ثغرة خطيرة تسمح بالوضع في الحديث
ثم هل يكفي أن الرجل لم يعهد عنه كذب في زمنه أن لايكون كذابا أو أنه لايكذب في الدين ، وهل يكفي كونه لايكذب - مع الخلف في مسألة من هو الصحابي -أن يبنى على قوله حكم يمس المسلمين ككل
ثم القرآن تكفل الله بحفظه فهل المسألة ذاتها في السنة
لا تقل لي أن السنة من الدين ، أعطني نصا على حفظ السنة وأنها باقية
وبدلالة التاريخ فإن أحاديثا ظلت مخفية وغائبة عن المسلمين في بعض الأمصار وبعثت مع حركة الانتفاضة العلمية أو مع الرحلات العلمية لبعض العلماء أليس هذا دليلا واقعيا على عدم دخول السنة في الحفظ أو أن القرآن يفي بحفظ الدين والسنة مكمل وشارح ، بدليل أنها تخلفت في بعض العصور عن الوجود في الساحة وفي بعض الأماكن من الأراضي الإسلامية.
في باب المناقب
هناك نصوص كان يقولها النبي صلى الله عليه وسلم كنوع من التحفيز لأصحابه واعتبرت لاحقا تبشيرا بالجنة أو حكما بصوابية كل مايصدر عن هذا الشخص مع أن نص القرآن وسيرة النبي تنفي هذا الكلام ، مما يوقعنا في تناقض أفضى بكثير من الأصوليين أو الإخباريين كما أحب أن أسميهم إلى قبول الأمر وضده في ازدواجية عجيبة
لم يكن النبي يعطي مكافآت عينية لأصحابه على أفعالهم الدينية ولم يكن في مقدوره ذلك دائما بل كان يكلهم إلى إيمانهم كما ورد ذلك عنه صلى الله عليه وسلم ، لذلك كان يعوضهم بالاستحسان والثناء الشخصي والإشادة ببعض الخصال الشخصية التي هي حقيقية ولاشك، المشكلة أن بعض المفسرين وشراح الأحاديث قاموا بإضفاء الأوصاف الأسطورية ولوازم هذه الصفات والأوصاف ففرق بين الوصف والصفة كما انه فرق بين التشجيع والتعديل المطلق الذي ينسحب على كافة الأعمال.
مما يعيدنا إلى أهمية الالتفاف حول القرآن كمصدر أساسي لاستقاء الأحكام.
ماقصة الشواهد المجتزأة التي تبنى عليها الأحكام مع أن الحديث كنص كامل لايدل من قريب أو بعيد على الحادثة التي استخدم للتدليل عليها
فنجد حديثا يتناول قصة محددة ذات ظروف معينة تعمم لتتناول جميع جوانب الحياة بل لتصبح قاعدة شرعية.
وهنا يطرح تساؤل عن المنهج الذي يجب اتباعه للاستنباط الفقهي ، وأن المحدثين مطالبين بإيراد النصوص الكاملة وقصص الأحاديث من مبتدأها إلى منتهاها
كما أن أحكام الصحابة على الأحاديث وتخصيصهم لبعض أحكامها لايتسق مع ظروف تواجدهم في المدينة وانشغالهم بالأسواق والضيعات كما يقول أبوهريرة مما يجعل فتوى الصحابي وأحاديثه التي هي في حكم المرفوع أحيانا محل نقد وفحص,.
كذلك ما نلاحظه من أن بعض الصحابة كعمر بن الخطاب كان لايقبل الأحاديث من كل قائل بها بل يطالب بالشهود ، وورد عنه أنه كذّب بعض الصحابة في بعض الأحاديث ، وهو مايحاول بعض علماء الحديث عزوه إلى أن العرب كانت تستخدم هذه الألفاظ مثل ،كذب بمعنى أخطأ وهو أمر لا يستقيم لو أوردوا لنا القصص كاملة وفيها الشتائم والتكذيب الصريح بل الضرب أحيانا والمنع من التحديث
وهنا سؤال مهم وهو لماذا كان عمر يفتي اعتمادا على نصوص القرآن ويركز على الحديث فقط من ناحية أنه فهم النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى أنه التفسير الصحيح للآية .
وكان له مجلس استشاري من السابقين الأولين وأهل بدر ، ولم يكن يهتم كثيرا لجامعي الأحاديث من أمثال أبي هريرة وابنه ابن عمر ، وكان يستثني ابن عباس كماهو معروف من ذلك.
إذن كان القرآن وفهم روح الإسلام والمبادئ والمقاصد الكبرى غاية مايرمي إليه الصحابة ومنهم الملهم عمر مما يجعلنا نتساءل عن التاريخ الذي اتخذت فيه رواية الأحاديث موضعها من القرآن كمساو أو مخصص أو ناسخ في بعض الأحيان حتى وإن على المستوى النظري وهو الأخطر برأيي، أي أنه يمكن أن تؤخذ قواعد كبرى في الإسلام بناء على تأكيد وتكرار وصيغ الأحاديث مع إهمال نص عارض أو غير مؤكد اللهجة ورد في القرآنهذا مع بيان أن الفقه الإسلامي ظهر وتكونت مدارسه الكبرى قبل أن يكتمل تدوين الحديث الذي تأخر بفترة لابأس بها ، تتعدى المائة سنة ، مما يعيد طرح سؤال اهتمام السلف الصالح الأولين بالحديث وموقفهم منه وللحديث بقية