الخميس، رمضان ٢٦، ١٤٢٧

هذا ما يحصل للمعاقين ...في بلد الحرمين



لإحدى أخواتي مكانة خاصة في قلبي ، لا تسألوني عن السبب فهي أسباب كثيرة ولكن من أبرز صفاتها وخلالها الجميلة حسها الإنساني العالي وروحها الشفافة الرحيمة ،فهي لا تتأخر عن مساعدة من يطلب منها العون في إيجابية فريدة تعرف بها ، وحتى في الجامعة هي متطوعة دائمة في مساعدة الطالبات ذوات الاحتياجات الخاصة والكفيفات خصوصا ، حيث ترافقهن إلى قاعات الامتحانات وتقوم بكتابة إجاباتهن في الأوراق المعدة لذلك ،حتى بعد أن تنتهي من امتحاناتها هي وتبدأ الإجازة التي ينتظرها كل دارس ، وتساهم في عدة نشاطات من هذا النوع لا ينال الشخص من ورائها سوى لذة العطاء الذي تجود به روحه المحبة السخية .

الشاهد هو أنني قمت باصطحاب ثلاث من أخواتي إلى السوق لشراء ملابس العيد ومستلزماته ، وشهدت بأم عيني مدى الجهد والبراعة اللذين تبذلهما المرأة في انتقاء ما يناسبها من ملابس وحاجيات ، حيث تراعي عدة جوانب ، تراعي ما يناسبها هي خاصة من حجمها ووزنها وقياساتها ، وتراعي أيضا ما يتفق والذوق العام والعادات والتقاليد ، وتراعي ما يتماشى مع الموضة ، إضافة إلى ما يعبر عن ذوقها الشخصي ولمستها الخاصة ،كذلك ما يحقق الانسجام اللوني والتناسق في التصميم والنقوش والرسوم ، ونوعية القماش وملائمته لظروف لبسه من حرارة وبرودة ورطوبة.
وقفت متفرجا متعجبا ، أدلي احيانا بآراء بعضها ساذج وبعضها يلاقي الاستحسان ، ولكنني أيقنت أنني عموما في ملابس النساء وشؤونهن كقروي قذف به فجأة في قلب عاصمة كبرى.

في احد المحلات وقفت بجانبي أختى ونحن بانتظار انتهاء عملية فحص دؤوبة من أختنا الأخرى ، فقالت أختي وعلى وجهها سحابة أسى – من أشد ما يؤلمني في الجامعة ملابس المكفوفين اللذين تعاملت معهم أثناء فترة التطوع ، تلاحظ أن أهليهم ومن يقوم بشؤونهم يختار لهم الملابس عشوائيا لا تناسق بينها ولا تلائمهم حتى أنك قد ترى بعضهن في ملابس أشبه ما تكون بألبسة المهرجين أو المعتوهين ، حرام عليهم .
أصابني الوجوم للحظات ، ولم أكن أتوقع أن هذا يمكن أن يكون ، أليس هذا من الظلم وقلة الاهتمام بإنسان كان من الممكن أن أكون مكانه ، وأين هي نصوص الرحمة والمساواة والعطف والإحسان.التي نتشدق بها صباح مساء.

تذكرت إذ ذاك تلك القصة الرائعة التي تروى عن الحسن البصري أنه أهدي إليه نوع من الحلوى الفاخرة في ذلك الزمان ، فدخل عليه مجنون يسأل طعاما فقدمها إليه فأهوى إليها المجنون وشرع في التهامها ، فقال جلساء الحسن له رحمك الله لو أعطيته شيئا آخر فإنه لا يدري ماذا أكل ، فقال الحسن كلمة تريك عمق بصيرة المؤمن وسمو حسه ، إن كان هو لايدري فإن الله يدري.
فعلا ، ألم يقل الله تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ، وهل الإنفاق هو مجرد بذل الصدقات والمال ، أليس التبسم في وجه أخيك صدقة ، أليس العون الذي تقدمه لمحتاج صدقة.
القضية الأهم هي كيف نسكت على مثل هذه التصرفات اللاإنسانية إننا بإهمالنا المعاق أو تهميشنا لمشاعره نعلن أن لدينا إعاقة أخلاقية أشد وأنكى مما يعانيه ، لأننا فقدنا غاية ما يميزنا عن الوحوش والهوام وما الذي رقانا في مراتب الكائنات سوى الرحمة ، التي هي ملخص جامع لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين.

7 Comments:

Blogger mashi_97 said...

كلام جميل ومؤثر
جزاك الله خيرا

١:٢٢ ص  
Anonymous غير معرف said...

من اجمل ما قرأت
بارك الله فيك

٧:٢٨ م  
Anonymous غير معرف said...

قلبي وجعني بجد ولم أستطع مغالبة دموعي..
معاك حق..

وحقيقي تحياتي لأختك ولكل إنسان باقي في الدنيا عنده إحساس مرهف زيها..

،،

إنت سألت عني
وأنا بخير/ بس للأسف مش بعرف أدخل مدونتي علطول بلاقي الموقع واقع/ الظاهر فيه قفلة مابين السيرفر بتاعهم والشركة الي بفتح منها
دعواتك تفرج قريب
وشكرًا على سؤالك الي خلاني أطلع على مدونتك الجميلة
وكل سنة وإنت طيب ياعجوز يالي عيد ميلادك ال68 أول يوم العيد
:P

١٢:٠٠ ص  
Blogger المفكر said...

شكرا على زيارتك التي شرفتني جدا
وإنشا الله نقرأ لك المزيد والمزيد
تحياتي

١٢:١٥ ص  
Blogger abderrahman said...

رائع البوست
ذكرني بزملائي في الكلية من المكفوفين عندما كنت طالب..
كنت أشعر ان بداخل هؤلاء إحباطات كبيرة لايتحدثون عنها .
أحييك على تناول هذا الموضوع

٢:٠٣ م  
Blogger المفكر said...

لكم جميعا المحبة
والحقيقة أن هذا المقال ماكتب إلا لأمثالك أصحاب القلوب الحية
الذين نتوقع أن يتم تغيير كل ذلك عن طريقهم كل واحد حسب استطاعته

٥:٣٦ م  
Anonymous غير معرف said...

كان الله في عونهم .. لفتة كريمة من قلب كريم ..

غالبا ما ألاحظ أن النظرة إلى ذوي الاحتياجات الخاصة ما تكون متطرفة. إهمال وعدم مراعاة شديدين، أو بالمقابل تساهل يصل لدرجة إفساد الشخصية ( خصوصا من الوالدين ) ..

شكرا لك ولأختك الطيبة أخي المفكر،

١٢:٠٨ ص  

إرسال تعليق

<< Home