الجمعة، جمادى الآخرة ١٨، ١٤٢٧

هل عدّل الصحابة في الأحكام - نقد الفكر السلفي 1


نظرية التطبيق المثالي الوقتي

يجب ان نعرف أن هناك تطبيقا مثالياً للاسلام في كل عصر يختلف بالضرورة عن كل عصر سابق، لا أقصد بذلك طبعا ما يذهب إليه بعض المفكرين من أن المجتمع والعصر يؤثران في الأديان والمعتقدات ويغيرانها، وإنما أقصد أن الدين الإسلامي دين يأخذ بالاعتبار الظروف والأحوال في أحكامه وتشريعاته ، بل إنه يمنع من تنفيذ بعض أحكامه بناء على معطيات الواقع، والذي يريدون من العالم أن يتوقف عن التطور بحجة البقاء في وضعية ملائمة لتطبيق الأحكام الشرعية، لا يفهمون الدين ولا يفهمون العصر.
لابد طبعا من أن يستثنى من ذلك العبادات التي تمحض فيها قصد الشارع بالتعبد ووردت النصوص فيها بالمطابقة في الاقتداء ، ومع ذلك فقد تفرض الظروف تغييرا في صفة وكيفية بعض العبادات كالصلاة في وقت الخوف ، والسفر وغير ذلك.

هل عدّل الصحابة في الأحكام؟

ولو نظرنا إلى التاريخ المبكر للإسلام والذي يعتبر أصدق وأوثق تطبيق له فسنجد أن الحياة الإسلامية حدثت فيها تعديلات مهمة من بعد النبي صلى الله عليه وسلم بناء على معطيات الواقع، نجد ذلك في حوادث مهمة وخطيرة مثل جمع القرآن على عهد أبي بكر وزيادة الحدود أو تعطيل بعضها وفق ظروف معينة على عهد عمر وكذا على عهد عثمان.
ويجب فهم أن استحداث عمر بن الخطاب للكثير من القوانين والتشريعات لم يكن من منطلق استنباطي، ولكنه كان انطلاقا من التطبيق الأمثل للإسلام بناء على مقاصده الأساسية وبناء على الفهم الصحيح له ، لذلك فإن من الممكن بل من المؤكد أن قول النبي صلى الله عليه وسلم اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر يعني أن نقتدي بهما في فهمهما للشريعة وأساليب تعاملهم مع الواقع واستخراج الحكم الأمثل للعصر ، وليس تقليدهما في مفردات وحوادث محددة، وهو ما يؤكد عليه الفكر السلفي المعاصر، وإلا فما مفهوم قوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم، ولماذا تحدث هذه الإضافات على عهد أبي بكر وعمر وعثمان، أم أن المسألة كما يقول بعض الكتاب أن النبي لم يمهله الموت طويلا فلم يتمكن من ترسيخ كافة المفاهيم المتعلقة بالدولة الإسلامية ولهذا احتيج إلى أن يجتهد لإقرارها وتطويرها.


مشكلات جديدة

والذي يتأمل في تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم للحكم الرباني،والحوادث التي مرت به يجد أن هناك مشكلات لم تحدث في حياة النبي ولا في حياة الصحابة الأوائل الذين وردت النصوص للاقتداء بهم. فلم تظهر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم مشكلة تتعلق بشعب تعداده خمسين مليونا او مئة مليون ويعانون من أزمة في الإسكان أو الغذاء او العمل .
إن مجرد تصور حكومة مسؤولة عن شعب بهذا العدد يفرض آليات دائمة التحديث وقوانين دائمة التجدد للسير بالسفينة إلى أكثر المسالك أمنا. وكون النبي صلى الله عليه وسلم مصدر الحق والحاكم في الأمور وكون صحابته المقربين عاشوا في عصر لم يختلف كثيراً عن عما كان عليه الوضع في حياته صلى الله عليه وسلم، لم تظهر الحاجة إلى استحداث الكثير من القوانين والنظم التي يحتاج إليها المجتمع للترقي والتنظيم. ناهيك عن أن يتم وضع آليات لاتخاذ القرار والوصل لأقصى درجة ممكنة من العدل والحق.



يتبع
...

2 Comments:

Blogger Thamood said...

والله مقالة رائعة وانا الان بكمل أقرأ البقية بس كلام جميل

ومثل ماذكرت يا أخي انه بعضهم يشرعون دون النظر إلى الظروف التي نعانيها الان و اكبر مثال والذي قد تكلمت عنه حين اسقط عمر عقوبة قطع يد السارق في زمنه بسبب القحط والجوع

اهنئك على مقالاتك الجميلة و المدونة الرائعة والمفيدة

١:٤٩ م  
Blogger المفكر said...

وأنا أشكرك على تشجيعك، وعلى المداخلة، كما أرجوا أن استفيد من نقدك وتعليقك على الموضوع خاصة الجزء 7 حيث أتوقع الكثير من الهجوم ضده

٤:١٥ ص  

إرسال تعليق

<< Home