الاثنين، جمادى الآخرة ١٤، ١٤٢٧

"ماهي أخبار مقاطعة الدنمارك؟؟؟ هل لا زلنا نقاطع؟؟"




مررت وأنا أقرأ في مدونة الكاتب المبدع " ثمود بن محفوظ" والمعروف بتساؤلاته المثيرة والممتعة في آن معا بهذه العبارة فشعرت أنه يجرني لحديث كنت أراوغه منذ فترة حتى ألقى به أمام ناظري فصممت على أن أدلي ببعض الخواطر..

لقد نطق الكاتب بما يدور في اذهاننا جميعا اليوم ، فالزوبعة التي انطلقت قبل مدة ، لم نعد نسمع عنها شيئا اليوم وكأنها بالون انفجر وليس ترى إلا الدهشة الصامتة بعد ضجة الانفجار!!. تلك التي تبدو في ملصقات متناثرة على زجاج بعض السيارات ،
ألم تكن المقاطعة نهائية على حد زعم البعض وأمنياتهم؟
وأن نهاية الدانمارك اقتصاديا ستكتب اليوم؟
أم أننا أصبحنا سياسيين، نعطي الأمور من الاهتمام بقدر ما يمكن أن نتحكم بها في الواقع ، فإذا تم المراد فلا حاجة لنا بها.
لا لا لا اظن
المسألة فقط أن الشاشات أصبحت تحركنا كأحجار على رقعة الشطرنج ولا يد لنا ولا حيلة سوى أن نتفاعل كما يريدون لنا أن نتفاعل، وإلا فاصدقني القول هل تتوقع أن العالم الإسلامي كله كان مستعدا لأن ينتفض ويتظاهر لولا أن هذه القناة أو تلك نشرت مظاهرة هنا وأخرى هناك.
ولذلك فإن الذي خان القضية هم الإعلاميون بالتحديد.
قد أكون مبالغا بعض الشئ ولكن بصراحة ،
أليست القضية من مبدئها إعلامية ؟
والذي قام بها جهة إعلامية؟
وعرضت بطريقة إعلامية؟
ولذلك كان رد فعلنا بقدر ما كان صادقا ومخلصاً إلا أنه كان مصعوقاً دهشاً. وكأن العالم الإسلامي المتعود على الصواريخ والرصاص والقنابل والتشريد لم يتوقع أن يضرب ضربة بهذا العمق وهذا التركيز وهذه الجرأة وهذه النوعية.
فلما استبان المشكلة، وجد أنه لا يمتلك من الخبرة ولا الآليات ولا الادراك ما يؤهله لأن يواجه مواجهة ناجعة وواعية وفعالة ،ناهيك عن أن الضربة في مجال نحن ممن ليس له فيه ناقة ولا جمل إنه الإعلام وما أدراك ما الإعلام.
فالمسألة بنظرعامة المسلمين إما دعوة وإما جهاد، هكذا حسمها التراث ، إما أن تدعوهم بالموعظة أو الارشاد أو تنكر عليهم أو تناظرهم ، أو تحمل السلاح لتدمرهم كما دمروك وتنتقم منهم كما آذوك. وتعيد أمجاد صلاح الدين والمعتصم وقتيبة بن مسلم وخالد بن الوليد.
ولهذا فإن المسلمين اليوم قادة وشعوبا مثقفين و أو عامة معشر تعودوا على رد الفعل ثم الانتظار لحدوث فعل جديد حتى يردوا عليه.
وأستغرب بل أدهش من دعوة البعض من المفكرين والمسؤولين لإنشاء قناة للتصدي لأعداء الإسلام أو الدفاع عنه، وهل سيبقى الإسلام محاصراً معتدى عليه ومهمتنا أن نتصدى للدفاع عنه ضد أعدائه؟.
أم أننا نريد أن نداري نقصنا وخيبتنا بالادعاء أننا نحن الذين سنحمي الدين ونقف معه مع أننا نحن الذين أسأنا للدين وعرضناه ضعيفا وطبقناه هزيلاً .
بل لقد قرأت في أعمال مؤتمر يتحدث عن الإعلام الإسلامي ولا أخفي القارئ أني شعرت بالنشوة عندما قرأت العناوين البراقة ، فإذ بالمسالة كيف ندافع وكيف نقف صفاً أمام الهجمات وكيف نرد على الشبهات.
إن فهمنا للقوة أنها القوة العضلية فقط أو القوة العسكرية أمر يدل على ضحالة معلوماتنا وتأخرنا عن الواقع ، فهناك القوة المعرفية ، والقوة الاليكترونية، والقوة البشرية، والقوة المالية، وهناك أيضا القوة الشرائية..!!
وكل نوع من هذه القوة يؤثر ويتحكم في عالمنا كتأثير الأسلحة والقوة والعضلات بل أحيانا أشد، وأذكر مقالا رائعا قبل سنوات في جريدة الشرق الأوسط للكاتب خالص جلبي عنونه بـ(الإدمان على مورفين القوة )، تحدث في عن أن في كل عصر هناك قوة ما هي المسيطر على توازناته والتي تحمل أكبر تأثير على العلاقات بين أطرافه المتنافسة.فهل مازالت الحرب العسكرية هي الشكل الوحيد الذي يمكن أن نحقق به النصر؟
قبل فترة عندما أطلقت جمعية فرسان المعبد الكنسية حملة ضد النبي صلى الله عليه وسلم بعنوان ( مليون ضد محمد) انطلقت حملة مضادة ظهرت في لجنة سمت نفسها باسم اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم ، وكان شعار الحملة محزنا يعكس الدعائية والتعميم الذي عرفنا به ( المليار مع محمد) فالحملة المضادة كانت تسعى لجمع مليون داعية يتخذ من الطعن في النبي والتشكيك في نبوته وسيرته وهي جمعية كنسية يصفها مطلعون بأنها الأقل شهرة والأكثر نفوذا، ويكفيك أن ميزانيتها السنوية تبلغ الخمسمئة مليون دولار ولها جيش من الدعاة في مختلف القارات ويتوزع نشاطها بين التعليم والإغاثة إلى الطب والخدمات الطبية والثقافية والإنمائية، وشعارها يحملا هدفاً محدداً وينطلق وفق رؤية وخبرة ومنهجية وخلفية واضحة، أما شعار الهيئة ، فالله المستعان، أولا لم تنشا أصلا إلا على قرع طبول المعركة، وثانيا هي مجتمع من بعض الوعاظ والعاطفيين والمؤلفين والأكاديميين، والحالمين، وشعارها المليار مع محمد ، المليار هكذا... ولو بحثت في المليار لوجدت أكثر من تسعة وتسعين بالمائة منهم لايعلمون عما يحدث ولايدركون أصلا أن هناك هجمة أو حملة أو هيئة أو لجنة.!!


المشكلة الأعظم والتي تدل على أننا سرب يغرد عشوائيا في الفضاء الخارجي، أن القضية إعلامية في حين نجد أن الجهات التي نشطت لقيادة الموضوع جهات بحثية وعلمية رصينة ولجان توعوية تقدم بيانات ومنشورات بالأساس، والصحيفة الدانمركية إنما قدمت رسوما كاريكتورية ( فنية) وقدمتها لعامة الناس وليس للنخب وقادة الفكر والرأي فكان من المفترض أن تتصدى للعملية مؤسسات الانتاج الفني والصحف والمجلات ووسائل الإعلام. حتى وإن تصدى العلماء والمفكرون فلاينبغي أن تصبح المسألة فقط مسابقات بحثية وملصقات تضامنية ورسائل جوال ويصبح هذا هو الاساس.
المشكلة الكبرى بنظري انه ليس هناك إعلام إسلامي يستطيع أن يتصدى لما حدث من هذه الرسوم مع أنه كان أمراً هزيلاً بالمقارنة بما يمكن أن يقوم به الأعداء إذا أرادوا فعلاً أن يسيئوا لنا.
والقنوات العربية تستطيع ببساطة أن تقول أن مسائل الأديان ليست من تخصصنا وأننا مجرد وسيلة إعلامية ينتهي دورنا بأن ننقل لجمهورنا ما حدث وما يهمه وأن نحافظ على أعين أكبر عدد ممكن من المشاهدين أمام شاشاتنا لأجل عيون المعلنين ، ولا مانع من الاستفادة من أحداث كهذه في تعميق الصلة بيننا وبين المشاهد العربي والمسلم، ولماذا لا نضيف بعض العبارات العاطفية المصطنعة والمنتقاة والمعدة بعناية في غرفة الأخبار من أجل أن نكسب عدة آلاف من المشاهدين الجدد؟!!
الإعلام الإسلامي لم يثبت فشله في توصيف وتحديد ومواجهة المشكلة فقط ، الإعلام الإسلامي أثبت أنه غير موجود إلا في أذهان المعتقدين بوجوده على اختلافاتهم حوله. والمعركة أديرت بأيدي مجموعة من الكتاب والعلماء والوعاظ، والسبب الذي أوجد لكلماتهم معنى في هذه المعركة- التي لاتعترف أصلا بهم كلاعبين حيث هي معركة إعلامية - أن الشارع الإسلامي يدين لهم بالولاء ،
كذلك أن حركة الشارع الإسلامي والضمير المسلم الغاضب ، جعلت مراكز الرأي والإعلام الغربية ترحب بكل من يستطيع أن يتكلم باسمهم ، والكارثة عندما يتصدى للموضوع من لا يستطيع أن يضع المشكلة في سياقها الحضاري والسياسي والتفاعلي الصحيح.
بل لقد رأينا من المشايخ والعلماء من استطاع استثمار المشكلة لصالحه فأصبح بقدرة قادر رئيس لجنة لم يؤهله لها إلا أنه زاحم عليها ، وأصبحت هذه الشركة أو تلك تعتذر له فيوقع لها أن عفونا عنك،
والأدهى من ذلك والذي يجعلنا نشك أن المشكلة مرسومة أنه لا يلبث أن يسارع مدراء التسويق في تلك الشركات بطباعة مئات الألوف من النسخ لتلصق على الجدران والطرقات بل على أبواب المساجد، حتى لقد فاق انتشار بعض مطبوعات العفو انتشار ملصقات المقاطعة .
ولايكتفي الشيخ بذلك بل يذيل العفو "الذي لا هو بفتوى من عالم ولا خطاب من سياسي" بتوقيعه واسم منصبه الذي ما اكتسبه إلا من المشكلة التي نحن في صدد حلها ،، وووالله لقد أعيتني هذه.
جرحنا الغائر وكرامتنا المراقة ومشاعرنا الممزقة لا تحتمل أي إيذاء من هذا النوع .

وبصراحة جلية فالأزمة بكاملها كشفت لنا أننا لا نمتلك في المواجهة الحضارية مع الغرب إلا سلاح الشعارات والإدعاء ، وهذه أيضا من السهل تلوينها وليها وتزييفها أمامنا ودون أن نشعر.
بل إن إعلاميا ذكيا بإمكانه أن يكسب الملايين بل المليارات عن طريق اللعب على أعصاب هذه الأمة الفوضوية، وباستخدام رموزها وعلمائها بالذات ، ولولا حساسية الموضوع لوضعنا عشرات الأمثلة المادية والمحسوسة الممكنة التطبيق والتي يمكن أن يطبقها مثل هؤلاء ، فمتى تفيقي يا أمة المليار وربع..

كتبه :المفكر
بوحي من : الكاتب (ثمود) ضمن مدونة : سأتحدث
"