الأحد، يوليو ٠٢، ٢٠٠٦

مجموعات الدعم - أفكار حرة






قرأت في أحد كتب التخطيط التي تتناول المبادئ المهمة لإنشاء أي مشروع ،عن أهمية التواصل مع من بدأوا مشروعات مشابهة لمشروعك ثم تركوا هذه المشاريع أو توقفوا عنها، وكيف أنه من المهم أن تتعرف إليهم وإلى الأسباب التي دفعتهم إلى ترك هذه المشروعات او التخلي عنها ، ولفت مؤلف الكتاب الانتباه إلى أندية خاصة تضم أمثال أولئك يمكن للراغب في الوصول إليهم أن يتجه إليها مباشرة ، طبعاً الأندية المذكورة موجودة في أمريكا ، غير أنه وبصراحة أعجبتني الفكرة ورأيت فيها أسلوبا يدل على الحكمة وبعد النظر،

"mbc 4"ثم جاء بعد ذلك بفترة في حلقة من برنامج يعرض على قناة


starting overيسمى


حديث عن إحدى المشتركات في البرنامج ،


(طبعاً هناك فرق هائل بين النسخة العربية المحاكية والنسخة الأجنبية من البرنامج ، ففي النسخة الأجنبية هناك متخصصون ومدربون لهم خبرة ومستشارون ذوو اطلاع وتجربة وإحالات إلى مراكز متخصصة في الحالات التي لا تملك المدربات فيها مقدارا كافيا من الخبرة)، وحتى أوضح للقارئ بعض الشئ عن هذا البرنامج باختصار
فكرة البرنامج : تدور حول مجموعة من المشتركات لدى كل واحدة مشكلة أو مجموعة مشكلات أعاقت حياتها أو عرضتها للفشل ، تم جمعهن في منزل واحد ومعهن مدربتان ، وتقوم كل واحدة من المشتركات المقيمات في المنزل بالتخطيط لحياتها باكتشاف مشكلاتها والتعرف على نفسها ووضع خطط لتجاوز العقبات الكبرى أمامها أيا كانت هذه العقبات وذلك بتوجيه ورعاية وإشراف المدربات. وهناك قوانين وشروط لجعل البرنامج بيئة معزولة عن الواقع السابق وتتخرج التي تتجاوز مشاكلها لتبدأ حياتها من جديد،
وقد حاولت إحدى القنوات العربية محاكاة البرنامج وبئسما فعلوا ففي النسخة العربية التي ليست سوى محاولة للتقليد يلاحظ أن حل مشاكل المشتركات في الغالب لا يتعدى مجرد تعليق أو نصائح وعظية من شخصية إعلامية " تفهم في كل شئ طبعاً" بل لقد قرأنا في الصحف أنه تم خداع إحدى المتسابقات ولم تقدم لها المنحة التي وعدت بها نظير اشتراكها في البرنامج ( مع أن هذا مما لا ينشر والمفروض أن يكون أثر البرنامج على المشتركات فيه هو الذي يدفعهن للنجاح وليس المنح والهبات كما في النسخة المقلدة العربية)، وقالت المشتركة أن السبب في إهمال البرنامج لها أنها لقيطة ولذلك لم يوف بالاتفاق معها وتجوهلت ، وأن( الباقيات الصالحات) من المشتركات حصلن على منح صالحات وأنها فقدت فرصا كانت ستحصل عليها لو أنها لم تقبل عرض البرنامج مما جعل البرنامج دمارا لها أكثر منه مساعدا ووو . إلى آخر ما قالت من كلام يصيب القارئ بالدهشة والاستغراب.
المهم أن هذا البرنامج – بنظري - مهم جدا لأن أسلوبه وفكرته يفتح للمشترك والمشاهد آفاقا لتعليم التفكير ولحل المشكلات ، فهو يسعى إلى تجاوز مشكلات لدى المشتركين هي في الغالب مشكلات شائعة وبالتطبيق على قصص واقعية ، فتخيلوا مقدار استفادة المشاهد الذي يعاني من مثل تلك المشكلات التي غالبا ما تكون معقدة ومتشابكة وتتداخل فيها عوامل نفسية واجتماعية وتحتاج إلى دعم ومساندة وتوجيه ،
خاصة وأن البرنامج يركز على عرض مراحل تجاوز المشكلة خطوة خطوة .
فهو من البرامج التي تفتح لدى مشاهدها آفاق جديدة للتفكير في حل المشاكل ولهذا كان له ميزة خاصة.

الشاهد من كل هذا ، أن إحدى المشتركات كانت مشكلتها أنها لا تعرف أباها( اختفى قبل أن تولد) وأمها ماتت وهي صغيرة ( توفيت في حادث قطار ) وعاشت فترة في ميتم ثم عاشت مع جديها لأمها في مقاطعة أخرى وأنها تعاني شعورا بالضياع لعدم معرفتها بأي شئ عن أبيها أو أمها ، دلتها المدربة في البرنامج كجزء من الخطة المتكاملة على ما يسمى بمجموعات الدعم ، وهي مجموعات من أناس لديهم نفس المشكلة يجتمعون في بيت أحد الأعضاء والهدف من اجتماعاتهم المتكررة هو:
ليتعرفوا على جوانب المشكلة لدى بعضهم ويزداد تعرفهم عليها
أو أن بعضهم لم يتعرض لبعض المضاعفات التي تسببها المشكلة ليكون على حذر منها
أو أن بعضهم تجاوز بعض الجوانب ويفيد الآخرين بها
أو أن بعضهم تعرف على أساليب علاج أخرى
أو أنهم يحصلون على تواصل اجتماعي ودعم نفسي من حيث أنهم يفهمون بعضهم أكثر، خاصة في المشكلات النفسية التي تؤدي لعزلة الشخص عن المجتمع وتسبب بالتالي بعض المضاعفات كالاكتئاب والأرق والإحباط واللجوء للمخدرات.
أو التعرف على أساليب جديدة كشفها العلم بالاستعانة بقدرة المجموعة، لأنه لا يتوقع أن يكون بحث شخص واحد مثل بحث واطلاع خمسة أشخاص ،تتباين قدراتهم الذهنية والاجتماعية والثقافية وإمكاناتهم المادية.

بصورة شخصية أعجبت بمبدأ الفكرة جدا ، وشعرت أنه في حال جمهرتها فسوف تساعد كثيراً وتسهم في نشر التفكير الموضوعي لدى المجتمع.
وهي تشترك مع الأندية التي تجمع الذين تركوا مهنة معينة أو مجالا ما في أنهما يجمعان أشخاصا لهما نفس الاهتمام ويواجهون أو سبق وأن واجهوا نفس المشكلات.

أول المعارضين : أنا سليم من كل سوء و" الحمد لله "

ولكن لو حاولنا تصميم نموذج من هذه الفكرة لكي نطبقه في واقعنا سنصطدم بأمور من أهمها أنه
لدينا نحن العرب مشكلة ترافقنا دائما وهي أننا نتصور أن مشاكلنا تدل على نقصنا وهذا خطأ كبير ،فهل هناك إنسان لم تحصل له مشاكل ، نفسية ، أو مادية أو اجتماعية أو أي مشكلة ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفضل البشر عانى مختلف المشكلات التي يستحيي البعض اليوم من الإفصاح عنها ( ألم يجدك يتيما فآوى ، ووجدك ضالا فهدى ، ووجدك عائلا فأغنى ) وكل الناجحين والعظماء والذين غيروا وجه العلوم والفنون والمعارف واجهتهم من المشاكل بمقدار ما قاموا به من تغيير ، لذلك فالاستثناء هو ألا تتعرض للمشاكل وألا تعترضك العقبات، وهذا هو الحظ كما يقال، أن تنجح بدون تعب، أما أن تنجح كثمرة لجهدك وكدك فهذه هي سنة الحياة.

المشكلة الأخرى أننا نعاني من تداخل ما بين العيب والعار والمصيبة ، ليست المصيبة عارا أبداً، وليس العيب مصيبة بل هو مجرد خطأ وليس من حق أحد أن يلصقه بك أبد الدهر ، ولهذا شرع الله التوبة ، وتعارف الناس على الاعتذار ، ولكن هناك ميل من أنفسنا لأن ندعي أننا كاملون ، مع أن هذا أمر مستحيل لأننا ببساطة بشر.
وهذا الميل جعلنا نحجم عن الاستشارة فيما يعرض لنا من مشاكل ومحن ، أو نتأخر في عرضها على الآخرين رغبة في حلها حتى تتحول إلى كوارث ،فتسبب لنا مشكلات مضاعفة قد يصعب الشفاء منها إن لم يكن مستحيلاً.
ولذلك تجدنا نحاول أن نبقي معاناتنا مغلفة بإطار من الإدعاء والتظاهر الكاذب.إن عشق المرء للكمال ينبغي أن يظهر في صورة القابلية الدائمة للتطوير ، لا الإدعاء الفارغ والتظاهر الكاذب.

ومما عمق هذه المشكلة لدينا بنظري أننا في مختلف جوانب الحياة مستوردون ، فكل ما يحيط بك الآن مستورد ، ونحن لا ننتج شيئاً ، ولا يظن ظان أنني أبالغ أو أتعمد تحطيم المعنويات حين أقول : حتى المنتجات التي ننتجها وطنياً فهي بأيدي عمالة أجنبية وليست بأيدي أبناء الوطن ، وحتى المنشآت الكبرى التي هي بإدارة وطنية تجد أنها مستوردة من أولها لآخرها بدءاً من المكائن والآلات والمعدات ، وانتهاء بالأنظمة والقوانين وأساليب التشغيل حتى دورات تطوير وتدريب الموظفين، ولن أتكلم عن المنشآت التي تستخرج النفط والمعادن او الشركات التي مهمتها أن تكون وكيلاً لشركة أجنبية ، فهاتان لا تصنعان شيئا بالأساس .
أما كيف أثر ذلك في زيادة مشكلة التظاهر لدينا فإن الذي تعود على استهلاك نتاج تفكير وجهد الغير تنشأ عنده تدريجيا حالة من عدم القدرة على توليد الحلول ذاتيا أو المساهمة في ذلك ، والزعم انه لا مشكلة وأننا في أتم صحة وعافية من كل سوء. فالاستيراد المستمر الهائل جعل من حلول مشكلاتنا عبارة عن نقل وصفات جاهزة ،وحلول معلبة، وتوظيف خبرات تم إنتاجها في بيئة مختلفة ولظروف مختلفة ، فمجرد ظهور مشكلة لدينا لا حل جاهزا لها تجعلنا نضعها في خانة النادر المختلف الذي يحكم عليه بالشذوذ وعدم مواءمة العصر. فيكون من الأفضل أن ندعي أنها غير موجودة أصلاً.

الأنترنت فرصة لدعم الفكرة

ولقد اوجدت شبكة الانترنت مجالا رحبا لإنجاح هذه الفكرة حيث بإمكان أصحاب الهموم المشتركة والمشكلات المتشابهة تأسيس غرفة للحوار أو منتدى ومناقشة هذه المشكلات والبحث عن حلول لها. لا أقصد المشاركة الوجدانية فقط ( وإن كان هذا إيجابيا) ولكن أيضا تقديم الحلول ، ولو زار أحدنا غرف الدردشة الأجنبية للاحظ أمرا وهو توافق المسمى مع المحتوى ، فالغرف التي تتحدث عن الأسرة تجد من يتكلمون فيها يناقشون موضوعات الأسرة ، وكذلك غرف التربية ، وكذلك الموسيقى والفن ، وهكذا .
أما في الغرف العربية وللأسف فإنك مثلا تدخل إلى غرفة تتحدث عن الإسلام لتجد عبارات الحب والغرام ورسائل العشق والهيام ومناقشة موضوعات من هذا النوع فيها .
أو تجد غرفة عنوانها الحوار الإسلامي المسيحي ، وهي مجرد سب وشتائم في الأنبياء للديانتين ( ونستغفر الله ) من أناس جهلة لا يمتون للديانتين أو العلم بهما بصلة.
والمضحك والذي يدل على مستوى من يدخلون الانترنت لدينا ومن يستخدمها لديهم ( فلدينا من يستخدم الانترنت في الغالب يستخدمها كترفيه وتسلية ) المضحك أنك تجد أننا لا نميز المسميات من الأسماء ، وأذكر أنني دخلت إلى غرفة تناقش قضايا فلسفية ، وهي متخصصة في الفلسفة ففوجئت بأحد الأخوة هداه الله يدخل في نقاش ديني ، ويناقش بأدلة شرعية وآيات وفي حسه وكلامه ما يدل على أنه آت ليخرجهم من الظلمات إلى النور وأنه يؤدي واجبا مقدساً والغرفة في واد وأخونا في واد آخر!!
فالفلسفة مهمتها مناقشة القضايا العقلية والوصول للحقائق فيها انطلاقاً من العقل والمنطق، والأخ المناقش يستغرب ممن يناقشون قضايا حسمها القرآن برأيه فلا داعي للتفكير فيها ، فما رأيكم بالله ؟!!

كيف ندعم الفكرة ؟

تبقى لدينا لدعم نمو الفكرة وتحقيق أهدافها
1- توضيح وتجلية مفهوم هذه المجموعات وما يمكن أن تحققه لي كفرد
2- أن يقوم بعض مسموعي الكلمة والجماهيريين بالتسويق لهذه الفكرة ومحاولة جعلها كموضة لضمان قبولها ( هؤلاء هم من يعتبر كلامهم فقط في مجتمعنا للأسف ).
3- إيجاد أدلة هاتفية لمجموعات الدعم المتوفرة أو من ينوي إنشاء بعضها أو اليكترونية على الانترنت أو لدى الأطباء أو مراكز التأهيل ، ويمكن مبدئيا وضع عناوين المجموعات الخاصة بمجال معين لدى المراكز التي تقدم خدمات استشارية في هذا المجال سواء كانت استشارية أو اكاديمية أو تجارية ، وأظن أن الجهات التجارية خاصة ستتحمس لرعاية مثل هذا النشاط لأنه وسيلة هائلة للوصول مباشرة لفئتها المستهدفة، ومن هم بحاجة إلى خدماتها.
أخبرني صديق سافر لدولة أجنبية أن الثقافة المحلية تدعم كل وسائل التواصل الذي يؤدي لمنفعة الطرفين، فمن الممكن أن تجد في السوبر ماركت القريب منك إعلانا ورقيا بجوار البوابة عن شخص يريد أن يخرج في نزهة لبلدة قريبة ولكن يريد شريكا يهتم لنفس الفكرة يتحمل معه نصف المصاريف، أو أن شخصا يريد أن يقوم بنشاط تطوعي بتوزيع ملصقات توعوية ومن يريد المشاركة فاللقاء في منزل فلان عنوانه كذا في الموعد المحدد، هذا الجو الذي يسمح بالتواصل البناء بين الناس وليس الجو القائم على الحواجز والطبقية والتوجس وماذا تملك وماذا تريد ومن أنت ؟

مبدئيا يمكن لأحدنا أن ينشئ هذه المجموعات كنوع من التجربة وأعتقد أنه سيتأكد من النتائج الباهرة ، وأذكر أنني كنت أكتب ببساطة عن فكرة تنموية وأبحث عن نقد لها وذلك في إحدى غرف الدردشة ، فأتتني دعوة لغرفة خاصة على الياهو ، ودخلت فوجدت مجموعة من المثقفين والمهتمين من مختلف مستويات التعليم ، ففيهم المتخصص والمدير والعامل ومتوسط التعليم والمهندس ، والجميع يجمعهم هدف واحد، وفكرة واحدة رائعة بحق، أعجبت بها جدا، وكان الجميع يناقش كيفية دعمها وتحويلها لمشروع وطني ، بصراحة تشرفت جداً بهذه المجموعة وأعتقد أن ما أدليت به من أفكار وما استفدته من أفكار كان من النقاشات التي اعتز بها ، لن أقول لكم ماذا كانت الفكرة وماهو محتواها ، فهي ستكون موضوع فكرة قادمة ... وإلى لقاء حر قادم
مع تحيات المفكر الحر

فكرة مقتبسة، عن عدة مشروعات قائمة ، نسعى لتطبيقها محليا
حررها : المفكر

2 Comments:

Blogger layal said...

بخصوص مجموعات الدعم اذكر بالبحرين مجموعة المدمن المجهول ومن اسمها فالمصاب بأدمان المخدرات قادر علي الاتصال بهم وهم علي استعداد لمساعدته دون الكشف عن هويته

كما اقيمت دورات توعويه للشباب عن الادمان بالتعاون مع شرطة دبي -ادمج معهم مجموعه من المدمنيين السابقين واعتقد انها كانت فكرة جيده ومشجعه بالنسبه للطرفين ولتقبل الاخر

ولكن كما قلت يبقى هناك توجس لدينا نحن العرب بالنسبه لهذه الامور وغيرها فلا يمكننا قبول نظرة المجتمع -واعتقد ان الموضوع يحتاج لشجاعه وجرأه من صاحب المشكله وعلي المجتمع تقبل وجود مثل هذه المجموعات فلسنا بالطبع مجتمع ملائكي

٨:٤٦ ص  
Blogger المفكر said...

تماما وكما ذكرتِ ، فالعلاج بالمصارحة أو الاعتراف أيضا من الأساليب والتوجهات المعتمدة علميا والمقرة والمطبقة عملياً وخاصة في مجال الطب النفسي ولكن المجتمع لدينا يصعب عليه تقبل الجديد حتى وإن كان مفيداً . وتجربة البحرين في هذا المجال وفي أكثر من مجال ، والتغييرات الرائدةالتي تتخذها جلية وواضحة وليست بغريبة عن مملكة البحرين ولعلك ذكرت في مدونتك المميزة أمثلة لها، وعموما تشرفت بزيارتك وممتن لتعليقك

٨:٥٠ ص  

إرسال تعليق

<< Home