الاثنين، يوليو ١٠، ٢٠٠٦

ثلاث أمنيات فقط – ثلاثية السعادة –أفكار حرة






ثلاثة أمنيات للسعادة

هل بإمكانك أن تعطيني ثلاثة أمور يمكن من خلالها أن يحقق الإنسان أقصى ما يقترح من الدنيا ، أنا أستطيع أن اقول لك ماهي هذه الثلاثة في نظري:
لو استحقت الدنيا أن تقترح فيها شيئا تطلبه وتحرص عليه فإنني أرى أنك لا تحتاج إلى أكثر من ثلاثة أشياء :
عافية
وقناعة
وكرامة مصونة
فإن من فقد أحد هذه الأشياء فهو لاشك تعس بوجه من الوجوه،وهذه بنظري أقصى ما ينبغي أن يطلبه الإنسان في الدنيا ،وبقية الأمور هي مكتسبات إضافية بالفعل ولكنها تصب في هذه الثلاثة أمور وتدل عليها والقناعة تضع جميع تلك المكتسبات في أحجامها الطبيعية وتدرجها في سياق معقول يسمح بتكوين مزيج السعادة الشخصي!!.

مزيج السعادة الشخصي

فلكل شخص مزيج خاص للسعادة مفصل حسب إمكانياته وظروفه ، وليس هناك معايير محددة بالمقادير للسعادة في الدنيا تصلح لكل إنسان.
ولا يفهم من دعوتي إلى هذه العناصر الثلاثة أنني أدعو إلى الكسل والتواكل عن نشدان معالي الأمور اوً, الطموح المادي او النجاح والتطوير ، كلا . وإنما أقصد بالقناعة على وجه الخصوص الرضا بما أقوم به وما أناله وتقبل الذات وحبها حباً رحيماً كحب الوالدين لولدهما، وعدم قسر النفس لتكون شيئا آخر في الحياة لم تكنه ولم تخلق لتكونه.
قد تكون القناعة تعبير عن شعور نفسي، ولكن أليس من الممكن أن تؤدي القناعة الموغلة في هضم الذات إلى تدهور حالة الانسان الصحية، أو الاجتماعية ومن ثم النفسية، فقد يكون هو نفسيا في منعة ورضا ولكن ضغط المجتمع عليه قد يسئ إليه اجتماعيا لمطالبة ذلك المجتمع الدائمة له بالتقدم والتطور والزيادة.
فأقول إذا نقصت مكتسبات الإنسان عن الحاجات الأساسية من طعام وملبس وغيره فسيضر ذلك بالجانب الآخر من الثلاثية ألا وهو العافية والتي من عناصرها الأساسية الغذاء أو العنصر الثالث من الثلاثية وهو الكرامة حيث رثاثة الملبس وعدم صلاحيته للتعبير عن الانسان ومجتمعه سيؤثر بلاشك على كرامته التي هي أساس من أسس السعادة، وقد نقصد بالكرامة التقدير والاحترام كما قد نقصد بها الصورة الخارجية والعلاقات مع المحيط،
وقلة ذات اليد لاتمنع من الحصول على ثلاثية السعادة فلكل إنسان كما ذكرنا تركيبة تمزج ما بين الأمل والواقع والآن والمستقبل وتسمح نتيجة لذلك بمزيد من اللحظات السعيدة الناتجة عن قناعة الأنسان ورضاه بتقدمه في الحياة وأنه يتحسن، وأنه ينمو ،كما أنها تشعره بأن الكرامة التي يتحلى بها والاحترام الذي يناله قيمة عظمى تضاف إلى رصيد ثقته بنفسه ولا تعدلها الأموال ولا الكماليات الأخرى.
وإذا منع الغلاء او التضخم أو الكوارث المالية الإنسان من الحصول على الحاجات الأساسية فسيضطر الشخص مجبراً إلى إراقة ماء وجهه بالسؤال أو الاقتراض وهذا نقص في العنصر الثالث وهو الكرامة المصونة.

هل سعيي لتحقيق السعادة هوضريبة السعادة ؟

والسؤال الان هو هل الجهد الذي يبذله الإنسان للحصول على المقدار الكافي من هذه العناصر الثلاثة ( العافية، القناعة، الكرامة المصونة) يعتبر خارج نطاق السعادة أم أنه جزء منها، بمعنى هل هو قبل تحقيقها يكون سعيداً ؟
وهل الجهد المبذول فيها نقيض لها وجهد يعد ضريبة للسعادة ؟
أرى أنه ليس ضريبة للسعادة أبداً.
إنه محاولة لترقية المزيج السعيد الحالي إلى مزيج أسعد وهو تعبير عن الطموح والتوق الذي هو جزء أصيل في فطرة الإنسان ، والقناعة طالما هي موجودة في الأعماق فهي الكفيل بأن يبقى هذا الطموح وهذا التوق جهداً إيجابيا يسعى للازدياد من السعادة ومع ذلك يكون الإنسان في أثناءه سعيداً ، ولهذا فإن من أدق العبارات التي تكلم بها البشر " القناعة كنز لايفنى" ولكننا نحن الذين نجعل هذا الجهد المبذول للتطوير والحصول على القناعة والعافية والكرامة جهدا شاقاً وغير سعيد ،
والذين يعتبرون الحياة عبارة عن مشوار طويل من الكد والنصب والجهد في انتظار لحظة محددة تكون كمهرجان الانتصار،ويؤجلون شعورهم بالسعادة غالبا ما يفاجأون بالحقيقة المرة وهي انهم قد فاتتهم لحظات سعيدة كثيرة، وأنهم ربما خلفوا وراءهم الكثير من المميزات والطاقات والظروف التي ليس من الممكن التمتع بدونها، ولا أقصد طبعا بالتمتع المتع الحسية فقط بل أقصد الجانب الأدائي من السعادة والذي يظهر غالبا في صورة المتعة أي متعة ،متعة روحية أو نفسية أو جسدية أو فكرية.... الخ
لا يجب أن تجعل حياتك هكذا ، يجب أن تشعر بالسعادة كل يوم وكل حين وكل لحظة ، ويجب أن تكون لديك مواعيد للتعويض عن أي خلل في توازن السعادة وان تجهد في إزالته.
الطموح ليس قرينا للتوتر السلبي، الطموح ليس نوعا من أنواع الحسد وليس شكلا من أشكال الثورة، بمعنى أن الألم والحرمان ليس مكوناً أساسيا من مكونات الطموح كما هو الحال في الثورة أو الحسد أو الرغبة.
الطموح يتشارك مع أمور كالتوق والغبطة في لذة التشوف ومتعة العرفان، وهو ينطلق من أرضية راضية وتصميم إيجابي وتغذيه مشاعر بانية وليست هادمة
بينما نجد الثورة تنطلق من أرضية ساخطة وتفاعل سلبي.
لذلك فإن الطموح لا يعيق السعادة ولا يسلبها لذتها إلا إذا كان مدخولا في ذاته أو فيه دخن. ويجب أن يبقى في ذهن القارئ أننا نتحدث عن السعادة في إطار الحياة الدنيا. والتي تحققها الأمنيات الثلاث.

في النظرة الإسلامية السعادة الأخروية تتكامل مع السعادة الدنيوية ولا تهدمها

حتى السعادة الأخروية والتي هي متكاملة ( في النظرة الإسلامية) مع السعادة الدنيوية فإنها تؤكد على هذه الأمنيات الثلاث وتهتم بها، وليس صحيحا ما تسلكه بعض الاتجاهات من أنه لابد من الاضرار بالدنيا لأجل الآخرة ، وإن صحت العبارة فليست الدنيا التي نقصدها هنا هي الدنيا الخيرة التي هي مزرعة للآخرة والتي هي مجال لتحقق الفضائل، كما انها ليست" الحياة عموما " قطعاً.
فالحياة خير كلها، والدنيا الملعونة هو تعبير للدنيا الهادمة التي تلغي الآخرة وتتخذ نفسها إلها. أو الدنيا الفاتنة التي تتلخص في المتع الحسية الصرفة دون تكامل مع الكون والمخلوقات، ذلك التكامل المتمثل في حفظ المصالح وحماية الحقوق، والإيمان بالآخرة ، وعدم الاسترسال مع المتع الخاصة على حساب الغير.
حتى التشريعات الإسلامية التي ركزت على حفظ الدين والعقل والنفس والعرض والمال، كلها تهتم بالسعادة الدنيوية كجزء لا يتجزأ منها ،فحفظ الدين العرض يعكس جانب الكرامة، وحفظ العقل و النفس يعكس جانب العافية، وحفظ المال يعكس جانب القناعة. والأحكام الشرعية قابلة للتغيير حماية لهذه الجوانب الخمس والضرورات المعتبرة في شرعنا ترتكز على هذه الجوانب أيضاً، لذلك فإن الدين يكفل السعادة الدنيوية ولا يهدمها كرأي بعض الفرق وبعض المتزهدين المتأثرين بتراث الديانات الوثنية، والذين عدلوا عن سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
ومن يؤكدون على الإيمان وأنه سبب وحيد في السعادة في الدنيا لا يدركون أن الإيمان يؤكد على القناعة في الدنيا كسبب رئيسي للسعادة فيها وفي الآخرة ، وهم يعانون من عدم إدراك للتكامل بين الحياتين ، فأصروا على إحداهما في ترجيح منبعه الجهل. فالقناعة إذن جزء من الإيمان.

هل السعادة في المال

والذين يرون المال سببا وحيدا للسعادة ، يعلمون اولا يعلمون أن المال قد يوجد فعلاً ولكن قد يكون خالياً من السعادة.كما أنهم لا يدركون أنه ليس هناك حد يقف عنده مقدار المال. إذن فالمال يستنزفنا ويستهلكنا. ويدخلنا في سباق محموم محزن من أجله وليس من أجلنا.
وقس على المال كل المتع والمكتسبات المادية فهي منه وإليه بل يمكن مقايضتها به في أغلب الأحيان.

ثلاثية السعادة لكل البشر

ويرتب البعض الجانب المادي من السعادة أو الجانب التطبيقي بما يسمى هرم "ماسلو" للحاجات، حيث تجد أن هذا المخطط الذي صممه العالم (ماسلو) رتب الحاجات الإنسانية للبشر في هرم مقسم إلى خمسة مستويات يسعى كل إنسان إلى تلبية الحاجات في المستوى الأدنى فإذا انتهى من تلبيتها فإنه يتجه طبيعيا إلى المرتبة التي تليها علوا ويسعى إلى تلبية حاجاته فيها.
ورتب هذه الحاجات كلتالي :
1- المستوى الأول الحاجات الأساسية والبيولوجية كالأكل والشرب والجنس
2- المستوى الثاني الحاجات الأمنية الشعور بالأمن
3- المستوى الثالث الحاجات الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية والمحيطية
4- المستوى الرابع تحقيق الذات
5- المستوى الرابع فرض الذات

و بمراجعة ثلاثية السعادة نجد أن المستوى الأول والثاني تغطيه العافية ، والمستوى الثالث والرابع والخامس تغطيه الكرامة، ولا يمكن تحقيق التوازن بين هذه المستويات الثلاث أو الاكتفاء بالقدر الكافي من كل منها إلا بالقناعة ، والتي تقف عند حدود ماهو ضروري ومناسب وكاف من كل مستوى ( بالنظر إلى خلفية الشخص العقدية والثقافية وآيديولوجيته)، وتربط القناعة كذلك ما بين هذه المستويات الخمس في إطار منسجم ومتوائم، يحدد ماهو المزيج السعيد الخاص بالفرد، فما يكفي شخصاً من الحاجات الأساسية قد لا يكفي شخصاً آخر ، ومقدار الأمن ومفهومه يختلف من مجتمع لآخر، وشكل وطبيعة الحاجات الاجتماعية ليست هي هي عند شخصين مختلفين في العمر أو الجنس ، لذلك فالمزيج السعيد – أكرر- لا يمكن نقله ولا تعليمه ولا فرضه بالطبع، كما لا يمكن توقعه أو التحكم فيه من خارج الإنسان. إذن فهي ثلاث أمنيات لو تحققت أظن أنك لن تقترح على الدنيا شيئاً جديداً، فهل توافقني ؟ فكر معي