الثلاثاء، ذو القعدة ٢٨، ١٤٢٧

أنا أكره الأشجار

تحديث بتاريخ 9-12-1427 هـ
أجل هذه الأشجار الرائعة
التي هي رمز أبدي للسلام والعطاء والتجدد

ألا تشعرون بهذا الشعور وأنتم تغادرون مبنى حكوميا رابضا كالقلعة شامخا كالجبل
يشيعكم صف طويل الأشجار الجميلة المقصوصة بعناية
شعور غير مبرر
ولامعنى له
ولكن مهلا
فالخدمة لم تقدم لكم
والدواء ستضطرون لشرائه من الصيدليات
والدرس ستضطرون لإعادته لدى المدرس الخصوصي
والمعاملة لم تجد واسطة لدفعها إلى الأمام
أو للتكرم بمجرد التوقيع عليها
والشكوى لم ترفع إلى الآن بل أسند النظر فيها لتصرف المشتكى منه
وو و و

وببساطة شديدة
ستظنون أن كل ذلك كان بالإمكان تلافيه لو أن ميزانية التشجير وضعت في التطوير
إن هذه الأشجار بغيضة إلى نفوسنا بشكل خاص
لماذا
لأنها تعكس صورة مشرقة و غير واقعية عن واقع مؤلم
عن بنية هشة
ومظهر براق

عن تواطؤ مريع ضد مصلحة الوطن

ولو أن الدولة وفرت قيمتها لدعم الرقابة على المدراء المتفلتين أو توظيف عدد من المراقبين المحصنين ضد الواسطة
أو بتأهيل الموظفين الذين تتحول المعاملات في أدراجهم إلى مخطوطات أثرية حتى يهئ الله لها من ينفض عنها الغبار بورقة صفراء صغيرة

أو بدراسة وترقية التقنيات المستخدمة التي عفا عليها الزمن وتجاوزها العالم

بدل هذه الأشجار التي لانفع فيها إلا لمن يزرعها !!

ألا تكرهونها بعد ذلك
و تكرهون من زرعها
ومن غرسها
ومن نقلها
ومن حملها
والمحمولة إليه
ومن ومن

شعور طبيعي برأيي بعد أن تعيدوا التفكير
في حجم الثروة التي تمتلكها بلادكم
ولكنكم مع ذلك تتساءلون

ما الذي يجعل المباني الأنيقة المحاطة بالأشجار الباسقة
لاتؤدي أعمالها
ولا تنجز التزاماتها
ومع ذلك تسجل ميزانيات تشغيل وصيانة ومسيرات رواتب وبدلات ما أنزل الله بها من سلطان


مدينة كجدة ، حرارة في رطوبة ماذا تغني الأشجار عنها
دعك من هذا
أليس من المستغرب أن تتسلم الشركات اللعينة قيمة عقود الصيانة والتشغيل والتشجير مبالغ ذات أرقام فلكية
ولا توفر الجهة الهدف الخدمات المطلوبة منها
فما فائدة التزيين والتنسيق والمباني والأشجار حينئذ ؟

وقفت ذات يوم مع صديق لي أمام صيدلية احدى المستشفيات الحكومية التي يوصى بها وتمتدح عن غيرها ، ويأتي رجل مسن ويسلم الممرض الوصفة الطبية
ثم ينتظر كغيره تسلم الدواء

وبعد انتظار يأتي الصيدلي ليقول :
هذا الدواء
وهذا
وهذا
غير موجودة وعليك أن تشتريها من الصيدليات

الرجل المسكين
محمول على كرسي متحرك
وواضح من الضمادات المتعددة أنه عانى الأمرين في المستشفى وقبل ذلك خارجها
ومن الواضح أنه يواجه حربا طويلة مع المرض والعجز والفقر
زفر في يأس
وفي نظرة غضب ممزوجة بالقهر
ويرفع يديه بالدعاء على المستشفى وأهلها والمجرمين الذين يديرون الأمور فيها


ليس هذا الموقف الوحيد بالطبع
فجميعنا يرى هذا يوميا
أذكر مرة ونحن وقوف أمام الصيدلية ذاتها
في المستشفى الكبير
ذي الشجر الكثير
والزهور النادرة
والنوافذ الفاخرة
والنوافير الهادرة
أربعة أو خمسة من المرضى يعودون بنفس الإجابة
الدواء من بره

طفح بي الكيل مرة من المرات وسالت الواقف بجواري لماذا الأدوية غير موجودة ؟ لماذا؟
فانفجر الرجل كسيل جرار
ومعه كل الحق
أدوية يصل سعرها إلى 90 ريالا
أو 150 ريالا
ويشكل فقدها ضربة موجعة لدخل اسرة لا يتجاوز 2000 ريال
يذهب معظمها في الإيجار والكهرباء وقريبا في المياه .

أجابني الرجل أنه أحيانا عندما يجابه بمثل هذا الجواب يتخذ قراره
- أحيانا أترك شراء الدواء لطفلتي من أجل بقية مصاريف الأسرة اليومية الملحة ، والشكوى لغير الله مذلة
- وقبل أن ينهي كلامه ناداه الصيدلي ليعطيه الدواء الذي حصل عليه بتوصية والذي أعطي له بناء على واسطة ثقيلة حولته من مستشفى آخر لم يتوفر فيه هذا الدواء.
- الصيدلي الفهامة يقول له بمحضر منا خذ هذا الدواء لطفلتك فلانة حبة أو نصف حبة يوميا
- سأله الرجل مرة أخرى ،حبة أم نصف حبة
- فلم يات الصيدلي بجديد ،شخصيا فإن الدواء أعرفه جيدا وهو كفيل بصرع جمل هائج فكيف بطفلة صغيرة
- نظر إلينا حائرا ، قلت له واثقا وأنا انظر إلى عبوة الدواء راجع الدكتور وتأكد منه ،
- وقفنا صامتين ولاندري ماذا نقول
- ذكرني هذا الموقف بمشاجرة جرت في احدى المستشفيات المحترمة (زعموا) حيث صرف الصيدلي للرجل دواءا ، وبالمصادفة نظر الرجل للوصفة قبل أن يسلمها وكان لديه معرفة بالأمور الطبية ، وقد يكون أحد العاملين في المجال الصحي ،واكتشف أن الأفندي الصيدلي اجتهد وصرف دواء آخر بناء على أن ذلك الدواء الأول غير موجود ، معرضا حياة المريض للخطر ،

خذ أيضا
خلال أزمة المياه التي عصفت بجدة وكتب عنها الجميع ، كنت أراجع أحدى الدوائر الحكومية وبالصدفة أتى أحد العاملين في محطة تحلية المياه، طبعا بدأ الموظف يلمح له مازحا إلى المشكلة التي تمر بمصلحتهم وما السبب ، فرد الرجل في دهشة وانفعال

نحن أيضا لا ندري ما السبب هل تعلمون اننا يوميا نقوم برد كميات هائلة من المياه المحلاة للبحر لأن سعة الصهاريج الضخمة لا تتحمل حجم الماء فتقوم الشركة بإعادة تلك الكميات الضخمة إلى البحر مرة أخرى ، ليس هناك حقيقة لنقص المياه أبدا.
صحيح أننا نعلم أن عشرين بالمائة من المياه التي تضخ في شبكة مياه جدة تضيع بسبب التسربات وربما لأسباب اخرى
أما ان يكون الماء فائضا عن الحاجة ولايكفي فهنا الف سؤال وسؤال .

فلنعد إلى الأشجار
أصبحت شخصيا اشك في كل جهد تسويقي لإقرار أي مشروع مالم يكن توجها عالميا ومدعوما بدراسات من جهات محايدة ، وهي بالطبع غير موجودة لدينا ولهذا توخيت كونه اتجاها عالميا .
يقول بعض ممن لهم اطلاع ان سعر النخلة حوالي 800 ريال ، سمعنا أن شركة يمتلكها مسؤول من العيار الثقيل تبيع النخل للمؤسسات الحكومية بقيمة 5000 للنخلة الواحدة ، والعهدة على الناقل.
فلو ان النخل على سعر السوق 800 ريال قل ألفا مع تكاليف الخدمات المصاحبة والغرس وتركيب شبكة الري و و و .
فبالإمكان لو استغنينا عن النخيل الذ ي لم نستفد منه بلحا ولا تمرا والجو هو هو . أن نحصل بقيمتها على كاميرات مراقبة متصلة بشبكة مركزية للرقابة توزع على مكاتب الموظفين في كل مبنى بعد خصم عدد النخل المحيط به .
وبصراحة يجب ان نبحث عن هؤلاء الذين يملكون كل شئ ويريدون السيطرة على كل شئ ، من ملاك الشركات الأخطبوطية والذين يتمتعون بنفوذ في البلد .
هل الحل أن نطبق مبدأ من اين لك هذا كعمربن الخطاب حين كان يحصر ممتلكات عماله من الولاة قبل وبعد توليهم مهام الولاية، ربما هذا مبكر جدا اليوم
ولكن إلى أن يتغير شي فلنعلنها للمسؤولين
لا نريد نخيلا

4 Comments:

Anonymous غير معرف said...

لماذا نكره الجمال ؟؟
اخي ليس مني شفافيه ولكن ما قيمة لقمة عيش ومن حولنا خراب !!اتفق معك على الاولويات ..نعم الغذاء والصحه والامن ثم الجمال !!
لماذا ؟؟لماذا اغرقنا انفسنا في الماديات والجمال من حولنا يستحق الرعايه والبيئه تستحق ذلك ايظا اشعر بما تشعر به من حقد على من يسرقون دواء المريض ليس ليزرعوا نخله بل الحقيقه ليزيدوا من ثرائهم لااكثر ..
بت اخاف على الاشياء الجميله ان تنقرض امام الخوف من الفقر فقط
لو تتأمل حالنا لعرفت اننا ابتعدنا كثيرا عن كل جميل وتعمقنا اكثر بالسياسه والصراع الطائفي والبحث عن فرص عمل لاتخلق ابداع وعن تعليم لايقدم علم يقدر ما يقدم بلادة وصحه في ضل بعد عن الطبيعه وخيرها الوفير فأزدادت الامراض وكثر الجهل وازداد العنف واختفى الجمال بين كل ذلك .
لاتكرة النخيل والاشجار والهواء النقي والطيور والمياه النظيفه انها اولويه لمن رأها كذلك ولكن اكرة من حولوا هذا الجمال الى قطع اسمنتيه وحولوا القلوب كذلك وجعلوا هم الانسان الوحيد مادي بحت

تحياتي

٨:١٩ ص  
Blogger المفكر said...

سيدتي الفاضلة
أنا أدعم رأيك دعما كاملا
ولا أعتقد أن هناك من يكره الأشجار وهي باذلة الحياة ورمز الحب والتجدد والنماء

ولكن لتقريب الصورة
أضرب لك مثلا

كينيا
من أجمل بلاد العالم قاطبة
لن تري في أي مكان في العالم لها مثيلا
ولن تجدي مكانا تجتمع فيه هذه المناخات المتعددة مع الطبيعة الخلابة والأرض الخصبة الغنية والثروات الكثيرة
ومع ذلك فالإنسان الكيني يواجه مجاعات هي الأخطر اليوم على مستوى القارة الأفريقية وهناك قرى كاملة معرضة للموت

فكيف سيتمكن المواطن الكيني من الشعور بهذا الجمال

ومع أن كينيا بلد سياحي من الدرجة الأولى
ولكن كمعظم الدول الأفريقية خيراته للغريب وشعبه لايجد القوت
فما فائدة الجمال

المستعمر خرج وخلف الجهل والفقر والمرض

ففي خمسينيات القرن
كان هناك أكثر من ستة ملايين كيني منهم خمسة آلاف تلميذ في المدارس الابتدائية فقط وأقل منهم بكثير في المتوسطة وعشرات فقط في التعليم الفني
وليس للكينيين تعليم جامعي
وهو حكر على المستعمرين

قد يكون عنوان المقال مقتحما بعض الشئ ولكن الرسالة واضحة
انظروا ماذا فعلوا بنا وإلى أي مدى أوصلونا

٤:٤٢ ص  
Blogger د.مرام مكاوي said...

تحياتي للأخ المفكر..

أخذت جولة في مدونتك كما وعدتك في رسالتي ولنا عودة بإذن الله..

٢:٠١ ص  
Blogger المفكر said...

تصويب للمعلومة فإن الاحصائية المذكورة عن عدد التلاميز في المدارس في خمسينيات القرن
تعود لدولة مجاورة لكينيا وهي موزمبيق
أما بالنسبة لكينيا فالأمر أشد وأنكى
فالمدارس التي تبرع السكان لبنائها بأموالهم بعد منع المستعمر التعليم وفرض قيود قاسية عليه قامت السلطات المحتلة الانجليزية بهدمها
والنتيجة نسب عالية من الأمية في جميع انحاء القارة الأفريقية
أما بقية المعلومات فهي دقيقة كما ذكرت وشكرا لزيارتكم


الكاتبة المبدعة مرام

شكرا جزيلا على تشريفك المدونة

مناسبة سعيدة تستحق الاحتفال مني
وبشرى سارة لقرائي الكرام

أتمنى أن تتحفينا بنقدك وتقويمك وآرائك

ولك التحية مجددا

٦:٢٢ ص  

إرسال تعليق

<< Home