الجمعة، يوليو ١٤، ٢٠٠٦

حاكم قد ينطق عن الهوى - نقد الفكر السلفي 3



حاكم قد ينطق عن الهوى

والحق ان المسلمين لم يزالوا يتعلمون من المواقف التي تمر بهم ولم يكن ذلك قدحاً في التزامهم بالأسلام ولا تمثيلهم له ، فما أن توفي النبي صلى الله عليه وسلم حتى وجد المسلمون أنفسهم أمام قضية اختيار الحاكم للدولة الإسلامية قد ينطق عن الهوى لدولة أنشئت على يد النبي الكريم تطلب وجودها لحماية مصالح المسلمين ولتطبيق معتقداتهم ولعرض نموذجهم.
كذلك لما أن توفي عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجد المسلمون أنفسهم أمام قضية انتخاب حاكم ضمن مجموعة ممن حكم النص بأفضليتهم على من سواهم،
ولئن زال الإشكال في حالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأبي بكر الصديق حيث نوه النبي صلى الله عليه وسلم بفضلهما وصلاحيتهما للحكم وترتيبهما فيه، حيث ذكر أنهما اللذان من بعده وعلى الناس الاقتداء بهما ، لئن زال الإشكال في تلك الحالة فإن الحالة الجديدة التي وضع عمر الأمة فيها لهي دليل على أن على الأمة أن تبتكر أسلوباً جديداً في التعاطي مع المستجدات.
فالدولة توسعت بعد وفاة الصحابة ولم يعد هناك مسوغ لجعل الخلافة أو الشورى خاصة بإقليم معين ، والعلم والتقوى والورع والكفاءة أصبحت أموراً موجودة في الآفاق كلها والصحابة العلماء كانوا قد انتشروا في الآفاق ونشروا العلم والمعرفة التي تصف العقلية الإسلامية والتصور الإسلامي ، لكن بقايا القبلية وسوء توظيف النصوص التى دلت على أفضلية قريش وجعلها مسألة جين فريد وسلالة راقية لا مواصفات قابلة للقياس، جعلت الملك العضوض يحكم المرحلة، فتحققت بذلك النبوءة.

إذن فالمسلمون تقاعسوا عن استكشاف التطبيق الأمثل للإسلام بعد تلك الفترة والذي أرسى دعائمه عمر حيث اعطى إشارة بجعله الشورى في ستة بأن الانتخاب هو الأسلوب الأمثل عند وجود الكفاءة والمماثلة حتى وإن كان مصدرتلك الكفاءة والمماثلة هو الوحي.
ولنا وقفة قادمة مع الشخصية الإدارية الفذة لعمر بن الخطاب مع الفهم الدقيق للإسلام ومعرفة ما يسع الناس الاجتهاد فيه وما هو وحي . فتجد التقدير والفهم للإسلام ولنصوصه المقدسة. كما تجد الإدراك الدقيق للواقع وما يمليه .
إن مجرد الخلاف على اختيار الخليفة أو التردد وابتكار طريقة لذلك واقتراح " أن يختار المسلمون من يرتضونه" يدل على عدم وجود نص يحدد.
إذن فالمسالة في آليات اختيار وتحقيق" كيف نعرف أن المسلمين اختاروا فعلاً من يرتضونه" وليست في مسألة الانتخاب. كما أن السؤال الأهم هو كيف يعلن كل منتخب عن نفسه ليكون حاكما لدولة إسلامية. وما هي المعايير التي على الأمة الحفاظ عليها أمام الناس كمعايير للحاكم الذي نختاره.

والنبي صلى الله عليه وسلم وصف أشخاصاً بأعيانهم مثل المهدي وأويس القرني والجهجاه وغيرهم وكان من الممكن ان يصف الخليفة المناسب أو السليم في كل عصر ويريح الأمة من تجارب مريرة في القتال على الحكم ولكنها عظمة التشريع ودليل على ان هذا الباب متاح للاجتهاد والاختراع والبحث
هل كان هناك تمثيل نيابي في الإسلام.

ولو عدنا إلى المستشارين الذين كانوا هم أهل الحل والعقد – مع تحفظنا على التعميم الذي تحمله هذه الكلمة – لوجدنا أنهم بمثابة نواب عن الشعب يحاسبون الحاكم ويحمون مصالح الرعية، ويحفظون مقاصد الشريعة.
فهم نواب ومشرعون ومجلس غير رسمي لحماية الدستور ولكن الذي لم يتعلمه المسلمون هو كيفية إبقاء هذه الفئة محايدة وعدم تعريضها لسيطرة وتحكم الحكام.
فأدبيات العلماء تمنع وتحذر من الدخول على الحكام إلا من باب نصحهم وتقريعهم ، فانفرد بهم الوزراء الذين لا دين لهم في الغالب، كما أن العالم كان يحتفظ بحصانة ضد النقد ممن هم أقل منه فأصبح مصير الأمة مرهون بلحظات التجلي التي تمر على العلماء ، أو لحظات التوبة التي قد تحدث للحكام.
قد يكون هذا مسموحاً به ومتاحاً لأن المعارف والعلوم لم تكن بالاتساع الذي هي عليه اليوم ولكن في العصر الحالي فلا.
إن مجرد الزيادة في عدد المسلمين تحتم تحويل العلماء إلى مؤسسات ناهيك عن توسع وتشعب الحاجات وتنوع الثقافات ووجود الاختراعات والاكتشافات المتراكمة عبر العصور منذ أن أقفل باب الاجتهاد. أضف إلى ذلك أن الفتوى لم تعد مجرد استشارة شخصية أو حكم استبطاني ، الفتوى أصبحت مسؤولية قومية ووطنية وإعلامية ومؤثر في القرار السياسي ومحرك لقوى جماهيرية غير محدودة في المجتمع
فماذا أعد العلماء ليوم كهذا ، المجالس الفقهية والمجامع لم تعد مجرد توفيق بين الآراء ومثاقفة بين العلماء ، إن توسع الحياة أوجب وجود متخصصين من كافة صنوف المعرفة مما يجعل المجلس الفقهي يتحول إلى أقرب ما يمكن من مجلس للشعب أو للأمة ، فهل وعى العالم هذه التحولات الخطيرة التي تحدث من حوله.؟

إنها طريقتنا كعرب تلك التي لا تجيد الضبط والتحديد، وتجنح إلى العاطفة والبلاغة والبيان في مقابل المنطق والحدود والتقنين.وإلا فالوعي بالمشكلة موجود ، وقد ظهر في رؤية عمر ضرورة الاستعانة بالفرس في مسألة الدواوين. وإن مجرد التأمل في القرآن والسنة والنظر في الأحكام الشرعية التي جاءت في أنظمة وقوانين وضوابط وشروط والتي كانت ملهما ومادة للبحث والدراسة على مدى القرون ، يعطي أهمية الضبط والتحديد في القضايا كلها ، فما بالك بقضية حساسة كاختيار حاكم أو خليفة.

حسناً.. انقضى هذا العهد ، ولسبب طبيعي ظهرت التيارات الفكرية مهما حاولنا أن نضيفها إلى دسائس ومكائد تحاك حول الإسلام المهم أن أعداداً غفيرة بدأت تتخذ مسارات فكرية متباينة تجاه قضايا حساسة وتكونت فرق ومذاهب سواء سميناها ضالة أم غير ضالة فهي تمثل أطياف المجتمع وتشكل بنيته العقلية.
والسؤال الآن لماذا أقصيت كل هذه المذاهب ليسود منها مذهب واحد ؟، لماذا صودرت كل هذه الآراء وكل مناهج التفكير وكل المحاولات ؟ إن بعض أصحاب الآراء كانت لهم مجرد آراء لم تتحول إلى عقائد يصارع ويقاتل دونها إلا عندما ظهر القمع.

يتبع...