الأحد، رجب ٠١، ١٤٢٨

فقاعة صابون

المتأمل في الوضع الاقتصادي للمواطن السعودي يجد أن هناك فقاعة صابون كبيرة موهومة يظهر اختبارها أن هناك خديعة كبرى تنفذ على المواطن البسيط توهمه أنه مرتاح وأنه ينفق عن سعة مع أن عمره وكده يستقطع في صورة منتجات أدرجت رغما عنه في قائمة أولوياته التي تدهور نظامها بسبب إبقائه غير واع
حقا فليس من مصلحة أي تاجر أن تكون أيها المستهلك حكيما في الصرف وأن تقتصد في الشراء. وما يكون انتصارا لصالحه ، هو في الغالب هزيمة وخسارة تصيب جيبك.
إن المنافسة بين التجار هي في الحقيقة منافسة على الهامش المتبقي من رواتب ومدخرات الناس وإن الأوهام التي تلقى في أذهان الناس بتأثير الدعاية أو الأزمات الموهومة والمشاكل التي يروج التجار لها وتؤدي إلى هوس شرائي أو إنفاق محموم هي وسيلة التاجر لتسريع عدادات الشراء ونقل الأرصدة من حسابات الناس إلى حسابات التاجر
ونحن نلاحظ ارتفع حدة تردد موجات الاستجابة للدعاية الاقتصادية ، فالمجتمع السعودي قابل للاستهواء بالدعاية والإشاعة بشكل خاص كما أن غياب العقلية النقدية وسريان التيار الوعظي في كل شئ حتى في البيع والشراء جعل من المواطن يكتفي بالاستشارة والاستخارة لاتخاذ أكبر وأخطر القرارات دون بحث وتنقيب ومقارنة واتخاذ ضمانات.واعتمادا على البركة التي ستتكفل بجعل المنتج الردئ فعالا ومتجاوزا توقعات المصنع نفسه!!
ليس لدينا جهات استشارية تقدم خدماتها للآفراد أو لا يلجأ إليها إلا في حالات اليأس
أما في الحياة اليومية فالأمور تسيرها الموجة السائدة ، والموضة ، ومايقوله الناس.وما جربه فلان ، وما ناسب فلانة.
من أهم ملامح الخديعة التي يتعرض لها المواطن هي مسألة الأسعار المبالغ فيها لسلع كثيرة
فالتجار استغلوا عدم إدراك الكثيرين لتفاصيل مسألة التسعير والقوانين التي تحكمها ، واستغلوا تراخي الجهات المعنية في تفسير وتطبيق الأنظمة التي تحتاج هي الأخرى إلى تحديث، فقاموا بضربات سريعة يشعلون بها الأسعار ثم يسارعون بخفضها بعد مدة قصيرة يكونون فيها قد كسبوا عشرات الملايين
كذلك جهل الناس بمسألة غاية في الخطورة وهي وإن بدت نظرية وفلسفية إلا أنها ذات دور كبير في نظرة المواطن للقضية برمتها.
وهي أن المواطن والموظف على الخصوص لا يقيس مدى سلامة مسلكه المهني والوظيفي إلا من خلال بُعدٍ واحد وهو الرفاه ، أو ما مدى توفر الكماليات أو ما يصرف على الترفيه غير الضروري بالطبع وذلك مقارنة بفئة مترفة من ذوي الوظائف المرتفعة الأجر.
لم أسمع أحدا يناقش ربحية الوظيفة بالنسبة لجهده واحتياجاته الأساسية وما يرتقبه من ظروف وما يلزم لها من توفير.
ومن هنا بالذات يجب أن ندرك أن الفائض المتبقي من الراتب آخر الشهر لمن يتبقى لهم فائض، ليس ربحا خالصا كما يظن البعض ، بل إنه يتحمل نسبته من المصروفات السنوية والمدخرات وربما تكاليف التمويل لمشروعات لاحقة مثل رسوم مدارس الأطفال وتكاليف ترميم بناء أو ماشابه ذلك
إذن فالمسألة أكثر تعقيدا
والهبات التي تأتي من هنا وهناك لا يمكن خلطها مع العمل الثابت المضمون.
وإذا أضفنا قائمة الديون على المتزوجين من الشباب المتورطين فسوف يكون الموظف مفلسا تماما طوال سنوات من عمره.
ولكن مع مهلة السداد من كده وعرقه .
من المهم أولا أن تعرف من يستقطع من دخلك ، ولم ، وكم.
ستجد أن تجارا معينين وشركات محددة تسحب من جيبك مبالغ محترمة دوريا، ليس هذا كل ما في الأمر
المشكلة أنها تنال فيه هامش ربح عال ومميز على السعوديين
مما يجعل راتبك الحقيقي في النهاية يقل عن أربعين بالمائة منه حين يقبض أول الشهر.
فإذا كانت السلعة المشتراة لاتمثل بالنسبة لك قيمة حقيقية مقابل ماتدفعه ثمنا لها فأنت خاسر في هذه الصفقة ، نقديا وليس معنويا.
المصيبة في المعايير الموجودة لدينا معشر السعوديين والتي يرسمها الإعلام المنافق ، وثلة تافهة من المترفين، حيث أنها تؤدي إلى مضاعفة الخسارة والتقليل من المشروعات الاستثمارية على الصعيد الشخصي والأسري حتى تقرب من الصفر!
ولذلك أقول ومازلت أن أي هزة أو أزمة اقتصادية حقيقية تمر بالبلد ستجعل كثيرا من المترفين في السعودية يصيبهم الجوع، لأن ثرائهم ظاهري موهوم ، ولقد رأينا ماجرى في هزة الأسهم التي لا تعتبر تحديا حقيقيا بنظري، فماذا سيحصل مثلا لو جرت حرب وتم ضرب مصفاة البترول أو محطات تحلية المياه في بلد يعاني شحا مريعا في المياه لدرجة أنه ثاني دولة في استخدام المياه المحلاة حسب إحدى الدراسات.
وقد مر بنا ما فعله التجار في جدة في أزمة المياه المضحكة المبكية في جدة حيث ادى كسل وتهاون عدة موظفين إلى فوضى عارمة مارفع سعر وايت الماء من 70 ريالا إلى 450 ريالا والمساومة مستمرة حتى تدخل الملك بنفسه، تخيلوا جلالة الملك! صقر العروبة وخادم الحرمين ، يوجه في مسألة كهذه سببها مجموعة موظفين كسالى ومصلحة مترهلة ومتعهدو طوارئ جشعون.
إنها إهانة لكل مواطن غيور، أليس كذلك
الشاهد أن الهامش اليسير من جيب كل مواطن ومن راتب كل شهر هو الذي يبني تلك القصور الفاخرة والمنتجعات الخلابة والسيارات الفارهة ، وانعدام الوعي والجهل المطبق وعدم الاعتراض على الغش أو الإحالة على الواسطة في كل شئ هو ماسبب الانهيارات الاقتصادية على بعض الأسر المتوسطة وقليلة الدخل عند أول الأزمات التي يفترض أن تكون متوقعة أصلا.
وقد رأينا أيضا كيف أصبح سعر خروف العيد الذي يذبح قربة لله خراب بيوت 1200 ريال وسط صمت وذهول الناس وكأنك ستشتريه بسبعة أرواح لتذبحه في سبع سنوات.
هكذا ولا رقابة، ولا وزارة تجارة، ولا تجارة وزارة، أغلب الظن أن موظفي الوزارة مابين حاج يلهج في المشاعر بالدعاء بالرزق الحلال الكثير وأن يلهمه الحكيم الخبير الصواب في سوق الأسهم، أو سائح يتزلج على ثلوج البلدان الباردة ويسبح لله متعجبا من جمال البلد والناس مع أنهم كفار !!
والناس يضحّون هنا بل احول ولا قوة إلا بالله .
ويبدو أن المطلعين على الأوضاع استحوا أن يرفعوا الموضوع لجلالة الملك ، خاصة وأننا نصدر الإعانات للناس والمسألة مخجلة والله.فعيب عليك ..أنت سعودي!!... غيرك يعقل وانت تزودي؟