الاثنين، جمادى الآخرة ٢١، ١٤٢٧

هل الإسلام يرعى الرق؟ - الإسلام والمساواة

هل قدم الإسلام سبقاً حقيقيا على جميع الشرائع والأديان في مجال الحرية والمساواة؟
هل صحيح ما يزعمه الكتاب والمفكرون الإسلاميون أن الإسلام وضع تفاصيل الحياة الحرة التي تسود فيها المساواة بين الناس في صورتها النهائية التي لا قمة بعدها ؟
وهل صحيح أن العالم وفق نظرة الإسلاميين أو الإسلامويين سيكون أكثر عدلا وإنصافاً للضعفاء والمحرومين والمضطهدين؟
وهل يمتلك هؤلاء توصيفا عصريا مستوحى من الشريعة يصف نظرة الإسلام لهذه القضايا ، أم أنهم يأخذون من الوقائع والأحكام التي حدثت في العصور الأولى تعليمات حرفية؟
وهل صحيح أن كثيرا من القوانين التي كانت تسود العصور الوسطى ستعود لو أن الدولة الإسلامية قامت من جديد؟ وإذا لم يكن ذلك كذلك فماذا عن الرق؟ستلاحظ أن كل كاتب من الكتاب المتحمسين للأسلام والتسويق لنظمه ومناهجه سيلجأ للتأويل والتبرير حين يتكلم عن قضية الرق في الإسلام، فالنفور العالمي من قضية الرق واعتبارها أسوأ صور الاستغلال للبشر يمنع أي كاتب مهما كان متزمتا من التصريح بما يعتقد ، بل إن قضايا مثل تعدد الزوجات ، والميراث ، والطاعة للزوج ، والجهاد ،وقضايا أخرى تقابل برفض عريض من غير المسلمين، ستجد من يتكلم ويدافع عن رؤيتنا فيها ويتحمل ما سيواجه به من استهجان إلا قضية الرق.

هناك عبارة مشهورة تتردد وتحاط بالكثير من الاحتفاء ، ولا تكاد تجد من يتكلم عن قضية الرق في الإسلام إلا ويوردها وهي " الإسلام جفف منابع الرق".
فهل هناك ما يدل فعلا على أن الإسلام جفف منابع الرق؟
هناك صورة حالية مشهورة عن الرق هي ما تبقى من ذاكرة القلائل في العالم اليوم الذين أدركوا الرق وهو نظام له شرعيته في الواقع، وهي أكثر وضوحاً منها لدى الآخرين الذين يتحدثون عنه اليوم وهم لايعرفون على الحقيقة ماهو ، تلك الصورة التي تلتبس ببعض النظم المحظورة كالإقطاع أو تجارة الرقيق الأبيض، فيتم التعامل مع الرق وفق هذه النظرة كنوع من تجارة المخدرات او غسيل الأموال أو الدعارة أو أي نشاط غير مشروع، ولكن الصورة لدى الإسلاميين وخاصة التيار السلفي مختلفة ، فرصيد الخبرة البشرية والكفاح الذي عانته الأمم وتكبده الحقوقيون في العالم غير معترف به أصلا، وهم مستعدون في لحظة قيام الدولة الإسلامية " على منهاج النبوة" لإعادة كل تلك القضايا التي زالت ، فالجزية ستفرض على كل من هو غير مسلم حسب التعريف السلفي طبعاً، والنصارى واليهود سيلبسون الزنانير، وسيُزاحمون في الطرقات حتى يضطرون إلى أضيقها ، وسيؤمرون ربما بركوب مراكبهم بطرق معينة، وستنفذ عليهم أحكام كتبهم وفق النظرة السلفية لها، وستهاجم الدول المجاورة باسم الجهاد المقدس ووفق التأويل السلفي لآية " يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين" وآية: " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهو صاغرون" ، لذلك فإن الرق في النظرة السلفية وفي أذهان متبنيها هو ذات الرق في أنظمة القرون الوسطى وهو تملك الإنسان للإنسان وبيعه وإيجاره وشراؤه كسلعة بل في مرحلة من المراحل إعتبار دمه أقل قيمة من دم السيد ، ولا ننسى في هذا السياق آية " يأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد..." ويكفيك النظر إلى أحد أشهر كتب التفسير السلفية تفسير ابن كثير لتعلم أن التدرج في حكم القصاص في الإسلام – وفق الرؤية السلفية طبعا – راعى ألا يكون المقتول عبدا لاستيفاء القصاص ، ومع أن ابن كثير لا يعطينا رؤية واضحة في المسألة ويورد قصصا من بقايا الجاهلية ولا يخرج برؤية محددة في هذه المسألة الشائكة والمتعلقة بدم إنسان إلا أنه اكتفى بالصمت تاركا المجال لتأويلات غير منتهية لآية واضحة الألفاظ،وابن كثير نفسه يستخدم نفس الأسلوب مع آية شهادة المرأة في آخر سورة البقرة وأنها لا تعتبر إلا بوجود امراتين إلا أنه عقب بشرح أكثر ابهاما وضبابية من المتن الذي ذكره في تعداد الأقوال،
إن عبارة" الإسلام جفف منابع الرق " لا تعرض لنا الصورة الواضحة لما يوصف بالمساواة في الإسلام إذ حتى لو حظي المتحررون من العبودية مكانة متقدمة في المجتمع الإسلامي، سواء كان في عهد الرسولr في المدينة أو في الخلافتين الراشدية والأموية.فلا يدل ذلك على شئ مالم يكن قانونا وحقا ، لذلك فالإشكال برأينا هو في أن تكون الحرية منا يمن به السيد على مملوكه لا حقا له كحقه في الحياة والديانة
نعم هناك وسائل وآليات عملية قام بها الإسلام للتحرر من العبودية فقد عمل على التخلص التدريجي من حالة الاسترقاق، حيث بدأ في فك مسألة التحرير من العبودية على أشكال مختلفة منها:
1-التشجيع على تحرير العبيد الذين أسلموا.
2-فرض عملية تصحيح الأخطاء في الحقوق الشخصية والاجتماعية والدّين، وغيرها من الخطايا والآثام والذنوب، في عتق العبد وتحريره.
3-جعل على رأس أعمال البرّ والصدقات والتقرب إلى الله عز وجل، تحرير العبيد وتكريمه.
4-منع استرقاق الناس سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين من رعايا الدولة الإسلامية، وأيضاً من رعايا دول أخرى إلا من كانت في حالة حرب مع الدولة الإسلامية. حيث كان رقّ الأسرى بحالة الحرب في تلك المرحلة الزمنية (القرون الوسطى) قانون دولي متعارف عليه بين الدول، فعلى الدولة الإسلامية في حالة الحرب عليها أن تعامل الدولة التي تحاربها بالمثل في استرقاق رعاياها. حيث يتم تبادل الأسرى بعد انتهاء الحرب، والفداء عنهم بالمال وتحريرهم. إلا أن الإسلام سمح بإطلاق سراحهم، حتى لو لم يتم التبادل مع الدولة المحاربة على قاعدة إسلامية تقول: (فإما منّاً وإما فداء).

5-وسن قانوناً جديداً يعطي للرقيق تحرير نفسه بالمقاضاة مع سيده، إذا تمكن من ذلك" المكاتبة مع أن المسألة غير موضوعة بشكل قانون واضح ملزم".
وإننا لانجد سوى نصوص تكرس بقاء الأحوال على ما هي عليه ، من حسن معاملة الأرقاء، وعدم مناداتهم بعبدي وأمتي ، وعدم ضربهم وإلباسهم مما نلبس، ولكن الحقيقة أن العبودية وسلب الحرية حاصلان وواقعان مهما أحسنت لهم في المعاملة.بل إن مما يجدر التأمل فيه الأحاديث التي تخبر عن عدم قبول صلاة العبد الآبق من سيده. فإذا كان العبد مملوكاً في أنظمة الدنيا لهذا السيد ، فلماذا يلحقه ذلك الحكم في عبادته التي هي أمر خاص بينه وبين الله؟. والتي ليس للإباق أي علاقة بها ؟، ناهيك عن أن بعض الصحابة سبي وبيع منهم زيد بن حارثة ، وسلمان الفارسي ، فلماذا لم يجز لهم الإسلام الفرار والاعتراض والثورة على هذا الظلم الذي حصل لهم ، وكيف يعتبرون عبيدا وهم مظلومون ، خاصة في حالة سلمان الفارسي فهو لم يسب في حرب قانونية لها نظام يقضي بسبي المهزوم، وإنما خدع وسرق ماله وأخذ وبيع.ونظام الرق في الإسلام كما يرى المعاصرون يجفف منابع الرق من حيث انه جعل كثيرا من الكفارات عتق رقاب ، وجعل من أعظم القرب عتق الرقاب، ولم يجعل من سبيل لاسترقاق الشخص إلا أن يكون محاربا أو منتميا للعدو ويُهزم ويؤسر ، فإن لم يسلم ويؤمن فللحاكم الحق في استرقاقه أو إطلاقه أو مفاداته.ولكن كان من المنتظر فعلاً يوم أن نزلت: اليوم اكملت لكم دينكم، أن يدلي الإسلام ببيان واضح في مسألة الرق التي ظل يجفف منابعها على مدى ثلاثة وعشرين سنة ، فالظروف السياسية والاجتماعية التي كانت المسؤولة عن عدم إصدار حكم شاف في مسألة الرق قد زالت أو أنها أصبحت تحت سلطة الدين الجديد الذي دانت له العرب ، وكان من الممكن أن يحرر الإسلام كل من أسلم من الأرقاء ، عموما وليس في ساحة الحرب فقط، ولا يبقى عليه من السيطرة والتبعية شئ.وقد تعتبر المسألة محسومة في نظام الرق في الإسلام إذا كان من حق المستعبد أن يكاتب" بمعنى أن يتفق مع سيده على مبلغ من المال يدفع له أو العمل ينجزه له مقابل تحريره" كما فعل سلمان الفارسي رضي الله عنه، وإذا لم يكن من حق السيد حبسه عن ذلك ، فهنا يكون هناك مجال أوسع لتفهم الأمر أما لوكان السيد غير مجبر على ذلك فإنها مسألة تدعو للنظر.ولا يعتبر العتق هو وضع المساواة النهائي والانعتاق الكامل من التبعية والدونية، بل إن الفقهاء ينصون على أنه لا يرث من غير النسب تعصيبا إلا المعتق ، فكيف تقدم رجلا أو امرأة من خارج أبناء المعتق ليكون الوارث المستولي على بقية الميراث؟إذن فالسيطرة والتبعية لم تنته بالعتق وإنما بقيت بعده ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : الولاء لمن أعتق، فسيقول قائل مباشرة :ما الداعي للولاء إذا كان العتق هو تحرير كامل من تبعات الرق والعبودية.ولا يستطيع أحد أن ينكر بقاء النظرة التي تصف عدم المساواة للأرقاء ، فالنبي عليه الصلاة والسلام يوضح أنه لن يفي الولد والده بشئ من حقه إلا أن يجده رقيقا فيحرره، فانظر إلى مقدار الإحسان الذي قام به الولد لإنقاذ والده من هوة الرق دليل أنه رفع من شأنه بصورة تعادل حق الأبوة الذي هو في ديننا مقرون بحق الله.
لاننكر أن الإسلام يعتبر نقلة هائلة للبشرية في مجال الحريات وأنه أعطى الضوء الأخضر للحكام والمشرعين لسن قوانين تمنع الرق و لكل الحقوقيين للبدء بالدعوة للقضاء على هذه الظاهرة ولكن ليس بطريقة ثورية وإنما بطرقة متدرجة وتحافظ على البناء الاقتصادي للمجتمع الأمر الذي لا يوافق عليه المنادين بالحرية أبدا، إذ في نظرهم الحرية حق اصيل وكل ما يسلبها فهو باطل لحظة وقوعه.
إن الأجدى بالنسبة للإسلاميين هو تحرير الخلاف وتوضيح الفرق بين ما نحن عليه في كل قضية وما هم عليه لا إضاعة الوقت في محاولة التقريب بين منهجين مختلفين.

وهنا تظهر المشكلة في ان السلفيين لن يقبلوا بمجرد فكرة سن قانون لأنهم يرون ان ذلك من تحكيم غير الشريعة، وفي أعماق مذهبهم هو كفر لأنه أمر بما لم يأمر الله به يأخذ صفة التحليل أو التحريم كما هو الرأي لدى متشدديهم.أخيراً .. أود ان أشير إلى مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعمرو بن العاص وابنه ، متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ، وهي تعتبر دستورا من الممكن اقتباس رأي الإسلام في علاقة المسلمين بالرق خاصة وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر،وأنه لايمكن بحال أن يسترق الإنسان قبل أن يولد وأن يصاغ على غرارها نظام إسلامي في هذه المسالة الشائكة والغريبة والتي كثيراً ما تخبأ ويتغاضى عن ذكرهاها وإن مما يحزن أن تكون الدول الاستعمارية هي أول من حارب الرق بصورته المعروفة ونادت بحقوق الإنسان وشرعتها وقننتها وطبقتها، بينما نحن لم نزل نهتف بأن ديننا دين الحرية ولم نقدم جديداً كواقع على الأرض، بل إن إلغاء الرق في كثير من الدول الإسلامية لم يتم إلا بعد ضغوط دولية وتهديد صريح من القوى الكبرى. برأيي أن الإسلام يحمل من القوة والسعة والتجدد ما يجعل منه أرحب بيئة للإنسانية والمساواة ، لولا وجود التيارات التي تمانع ذلك وتقف في وجه التطبيق الأمثل للإسلام.. أتمنى أن أجد لدى القراء الأعزاء نقدا لوجهة نظري
إضافة بتاريخ 8-9-1427هـ
من الأشياء التي لفتت نظري منذ مدة الارتباط بين السواد والعبودية في الثقافة العربية المتأخرة ، يلاحظ أن وصمة (السواد) متأصلة في تراث الرق إلى حد كبير ، وإذا كان لهذا التأصل لدى الغرب مبرر لأن خطف البشر وبيعهم كعبيد وهو المنبع الوحيد لتجارة الرق في امريكا كان نشاطه مقتصرا على سواحل أفريقيا كمصدر. فإن الأمر مختلف لدى المنطقة العربية فالفتوحات الإسلامية والعربية كانت موجهة أصلا لمناطق الروم وفارس وكانت المنطقة الواقعة غربا وجنوبا هي بلاد الحبشة التي كانت مقرا لمملكة قوية ، وبلاد النوبة في وادي النيل والتي يعرف أن الفتوحات توقفت فيها إثر معاقدة" البقط" والتي وضعت حدا للصراع بين المملكة النوبية القوية والفتح الإسلامي لقرون، وبهذا يمكن التاكد من أن تاريخ الرق في المنطقة العربية لم يكن مبررا لإلصاق السواد بالرق حيث أن معظم الرقيق كانوا من بلاد الفرس والترك والصقالبة والروم، ومع ذلك ادمجوا مع الزمن في النسيج العربي واختفى وصم الرقيق منهم إلى الأبد وبقيت اللفظة ملتصقة بالسواد في ارتباط مبهم.
ويرى البعض ممن كتبوا في هذا الموضوع أن هناك نشاطا غير مشروع في تجارة واصطياد العبيد كان يتم في النواحي المتاخمة للممالك الأفريقية وكانوا يجلبون ويباعون في أسواق النخاسين في العواصم العربية التي كان من الواضح أنه تغاضت عن الأمر لأسباب لم تكن بالتأكيد دينية، فالمنطقة منطقة عهد ولا مجال لتوفر العبيد الأفارقة إلا بالتعدي على المعاهدة واصطياد البشر سواء عن طريق حملات القرصنة البحرية أو عن طريق عصابات الشطار العرب براً.التي تستثمر النزاعات بين القبائل المحلية في تجارتها القذرة.
ولذا "فالتحامل علي اللون الأسود صار أكثر حدة في الثقافة العربية الإسلامية، مع نمو الإمبراطورية، وانخراط العرب في اصطياد العبيد. وبمرور الزمن نشأ ارتباط بين العبودية والسودان، أي السود(1).
ناهيك عن أن الحكم الحبشي لليمن استمر لقرون مما يبرر وجود السواد في المنطقة ويسمح بالامتزاج المتوقع عن طريق المصاهرة . وقد أثبتت بعض أبحاث ودراسات الأنثروبولوجيا في معرض دحضها لنظرية الجنس النقي أن جماجم عرب شرق الجزيرة العربية تتشابه في خصائصها المميزة مع الجماجم البشرية في الجهة الأخرى من المحيط الهندي الهنود والفرس بينما تتشابه عن جماجم عرب غربها وجنوبها مع جماجم القبائل الأفريقية الموجودة في الجهة الأخرى من البحر الأحمر الحبشة وما جاورها، ومع ذلك فإن الحساسية تجاه اللون الأسود موجودة وبقوة في المنطقة ويتبعها في ذلك المنطقة الجنوبية من المملكة جيزان ونجران وعسير والباحة ونواحيها، ولكن هذه الحساسية موجودة بصورة أقل وبشكل يكاد يكون معدوما تجاه الملامح الأعجمية المتمثلة في الشقرة واخضرار العيون والتي ترجع إلى الامتزاج الحاصل إبان الحكم الفارسي لليمن والذي استمر لفترة طويلة امتدت إلى مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم الحكم التركي الذي انتهى ضمن تلاشي ممتلكات الامبراطورية العثمانية الفانية
.

2 Comments:

Blogger المفكر said...

من الملاحظات التي رأيتها وتؤيد هذا الربط الغريب بين السواد والرق ولعل البعض قد رآه منتج في شكل " ليفه سلك" وضع صورة انسان افريقي الملامح علي الغلاف ، ومكتوب على المنتج بخط واضح" ليف العبد"يوفر وقتكم ومالكم ثم يترجم النص.
NEGRO PADS
وليست المسألة في نظرة صانع الماركة ومصمما للسواد وعلاقته بالعبودية بل المسألة في إهمال شعور الفئة التي وسمها بصفة العبودية لدرجة لم يكلف نفسه استخدام بديل مهذب للكلمة

وكما يقول شارلز تيلور: "يمكن أن يلحق بالشخص أو المجموعة من الناس، أذى حقيقي، وتشويه حقيقي، إذا عكس لهم المجتمع الذي حولهم، صورة عن أنفسهم، تنطوي على الحصر والحط من الكرامة والاحتقار ، وأبقاهم بالتالي،إذا استخدمنا مصطلح تيلور "على مستوى أدنى من الوجود (1)".
والمشكلة الأكبر هي أن الصورة الموضوعة على غلاف المنتج هي لإفريقي يمثل الحياة الأفريقية الحرة وهو حر قطعا مقاتل من سكان الغابات يحمل عصاه دون ملابس وعليه بعض التمائم التي يتعلقها القبائل في الأدغال ، مما يجعلك تتأكد أن الرسام أو الكاتب قصد بالعبودية وصفا ملتصقا باللون الأسود .
وربما يذكر بعضنا ذلك الإعلان الوقح في التلفزيون السعودي عن بسكويت :تمارة، وهو عبارة عن معمول بالتمر وسوقت له الشركة بإعلان يصور خيمة في البادية وفيه مجموعة من البدو وهناك رجل أسود ومهمته صب القهوة لهؤلاء الجلوس ورعاية النار ويرقص بجنون وسفاهة مع أنه اختير بعناية من فئة عمرية تزيد قليلا عن فئة من يخدمهم إضافة إلى طول وعرض ينفيان عنه صفة الغلام الخادم إلى الخوي والتابع.
كان الإعلان غير مبرر ،ودلالته جلية ، ونسبة السعوديين السود أقل من أن تظهر فيهم ملامح محددة إن لم يكونوا يستبعدون عن تمثيل الأدوار الرئيسية ، ويستدعون لأداء دور العبد ، فالوصمة الاجتماعية اللاحقة باللون "الأسود" ترجع إلى إنه لون "العبيد". والصيغ الثقافية التي تزدري اللون الأسود شائعة بصورة مزعجة، وعميقة الجذور في الثقافة والأدب خاصة النجدي منه، والرسالة الأخرى للإعلان هي بالطبع، النظر إلى الجنس الأسود كجنس أدنى، وأن تكون أسودا يعني، بدوره، مستوي اجتماعيا أدنى،
والمطلع على واقع المجتمع السعودي فإنه يلحظ وجود حساسية عالية بالألوان، ربما تتمثل في سهولة اندماج العناصر ذات البشرة البيضاء في المجتمع ، ولعل أوضح ملمح لذلك هو هجرة بعض الأسر الشامية واستقرارها في نجد واسهامها بقدر غير قليل في الحركة الفكرية والثقافية مع شدة ممانعة هذه المنطقة على الخصوص للختلاط بغيرها أو السماح للغرباء باعتلاء منصة العلم أو الوجاهة.
مع أن الإسلام دعا لوحدة ومساواة بني البشر، رغم اختلاف ألسنتهم وألوانها "إن أشرفكم عند الله أتقاكم" إلا أن موقف العرب من السود لم يتغير أبدا. وقد قال النبي "لا فضل لعربي علي أعجمي أو لأبيض علي أسود، أو لأحمر علي أصفر، إلا بالتقوى". ولكن ذلك لم يمنع أباذر الغفاري، أحد صحابة النبي البارزين، من أن يدعو أخاه بلال بن رباح الصحابي الآخر الجليل ومؤذن الرسول، "بابن السوداء". وعندما سمع النبي بذلك وبّخ اباذر توبيخا شديدا حتى شعر أبوذر أن مجرد الاعتذار لبلال لا يكفي. ولذلك انطرح أبوذر أرضا، ووضع خده علي التراب، وطلب من بلال أن يطأ خده برجله، كعلامة علي التواضع والصغار.
وبالرغم من ان الاتجاه السلفي الداعي إلى الجوع للكتاب والسنة وبناء الحياة عليهما هو السائد على النخب الدينية في السعودية إلا أن هذه النصوص وأشباهها لم تنجح في استئصال تلك الحساسية اللونية تجاه السود




(1) .نقلا عن دراسة منشورة بموقع مكتبة الدكتور أمجد ابراهيم سلمان

١١:٥٦ ص  
Anonymous غير معرف said...

إن الحرية حق أصيل للإنسان ، ولا يسلب امرؤ هذا الحق إلا لعارض نزل به , والإسلام – عندما قبل الرق في الحدود التي أوضحناها – فهو قيّد على إنسان استغلَّ حريته أسوأ استغلال .... فإذا سقط أسيراً إثر حرب عدوان انهزم فيها ، فإن إمساكه بمعروف مدة أسره تصرف سليم .

ومع كل هذا فإن فرصة استعادة الحرية لهذا وأمثاله في الإسلام كثيرة وواسعة .

كما أن قواعد معاملة الرقيق في الإسلام تجمع بين العدالة والإحسان والرحمة .

فمن وسائل التحرير : فرض نصيب في الزكاة لتحرير العبيد , وكفارات القتل الخطأ والظهار والأيمان والجماع في نهار رمضان , إضافة إلى مناشدة عامة في إثارة للعواطف من أجل العتق والتحرير ابتغاء وجه الله .



وهذه إشارات سريعة لبعض قواعد المعاملة المطلوبة عدلاً وإحساناً مع هؤلاء :

1- ضمان الغذاء والكساء مثل أوليائهم :
عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هُمْ إِخْوَانُكُمْ ، جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ , فَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ , فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ , وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ , وَلَا يُكَلِّفُهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ ) رواه البخاري (6050) .

2- حفظ كرامتهم :

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ وَهُوَ بَرِيءٌ مِمَّا قَالَ جُلِدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ ) رواه البخاري (6858) .

وأعتق ابن عمر رضي الله عنهما مملوكاً له ، ثم أخذ من الأرض عوداً أو شيئاً فقال : ما لي فيه من الأجر ما يساوي ! هذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( مَنْ لَطَمَ مَمْلُوكَهُ أَوْ ضَرَبَهُ فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ) رواه مسلم (1657) .

3- العدل مع الرقيق والإحسان إليهم

روى أن عثمان بن عفان رضي الله عنه دَعَك أُذُن عَبْدٍ له على ذنب فعله ، ثم قال له بعد ذلك : تقدم واقرص أذني ، فامتنع العبد فألح عليه ، فبدأ يقرص بخفة ، فقال له : اقرص جيداً ، فإني لا أتحمل عذاب يوم القيامة ، فقال العبد : وكذلك يا سيدي : اليوم الذي تخشاه أنا أخشاه أيضاً .

وكان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إذا مشى بين عبيده لا يميزه أحد منهم – لأنه لا يتقدمهم ، ولا يلبس إلا من لباسهم .

ومر عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً فرأى العبيد وقوفاً لا يأكلون مع سادتهم ، فغضب ، وقال لمواليهم : ما لقوم يستأثرون على خدامهم ؟ ثم دعا الخدم فأكلوا معهم .

ودخل رجل على سلمان رضي الله عنه فوجده يعجن – وكان أميراً - فقال له : يا أبا عبد الله ما هذا ؟! فقال بعثنا الخادم في شغل فكرهنا أن نجمع عليه عملين !

4- لا مانع أن يتقدم العبد على الحر في بعض الأشياء:

فيما يفضله فيه من شئون الدين والدنيا ، وقد صحت إمامته في الصلاة ، وكان لعائشة أم المؤمنين عبد يؤمها في الصلاة ، بل لقد أمر المسلمون بالسمع والطاعة إذا ملك أمورهم عبد !

5- وله أن يشتري نفسه من سيده ويكون حراً

فإذا حدث لأمر ما أن استرق ثم ظهر أنه أقلع عن غيه ، ونسي ماضيه وأضحى إنساناً بعيد الشر قريب الخير ، فهل يجاب إلى طلبه بإطلاق سراحه ؟ الإسلام يرى إجابته إلى طلبه ، ومن الفقهاء من يوجب ذلك ومنهم من يستحبه !!!

وهو ما يسمى عندنا مكاتبة العبد لسيده (بمعنى أن العبد يشتري نفسه من سيده مقابل مال يدفعه له على أقساط ) قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) النور/33 .



هذا عدل الإسلام مع الرقيق وإحسانه إليهم ، ومعاملته لهم .



فكان من نتائج هذه الوصايا : أن أصبح الرقيق صديقا لمالكه في كثير من الأحيان ، بل أحله بعضهم محل الابن، يقول سعد بن هاشم الخالدي في وصف غلام له :
ما هو عبد لكنه ولد * خولنيه المهيمن الصمد
شد أزري بحسن خدمته * فهو يدي والذراع والعضد
وكان من نتيجة معاملة المسلمين للأرقاء هذه المعاملة، اندماج الأرقاء في الأسر الإسلامية إخوة متحابين، حتى كأنهم بعض أفرادها.



يقول جوستاف لوبون في "حضارة العرب" (ص459-460) : "الذي أراه صادقاً هو أن الرق عند المسلمين خير منه عند غيرهم، وأن حال الأرقاء في الشرق أفضل من حال الخدم في أوروبا، وأن الأرقاء في الشرق يكونون جزءاً من الأسرة... وأن الموالي الذين يرغبون في التحرر ينالونه بإبداء رغبتهم.. ومع هذا لا يلجأون إلى استعمال هذا الحق" انتهى .

١:٠٢ م  

إرسال تعليق

<< Home